الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.

وَأَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ نَائِبِ خُرَاسَانَ وَحْشَةٌ وَمُنَافَسَاتٌ كَثِيرَةٌ يطول ذكرها، فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ اسْتَوْحَشَ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَتَوَلَّى ابْنُ هُبَيْرَةَ نِيَابَةَ الْعِرَاقِ، وَجَاءَتِ الْبَيْعَةُ لِمَرْوَانَ، فَامْتَنَعَ الْحَارِثُ مِنْ قَبُولِهَا وَتَكَلَّمَ فِي مَرْوَانَ، وجاءه مسلمة (?) بن أحوز أمير الشرطة، وجماعة من رؤوس الْأَجْنَادِ وَالْأُمَرَاءِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ وَيَدَهُ، وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَبَى وَبَرَزَ نَاحِيَةً عَنِ النَّاسِ، وَدَعَا نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَامْتَنَعَ نَصْرٌ مِنْ مُوَافَقَتِهِ، وَاسْتَمَرَّ هُوَ عَلَى خُرُوجِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ.

وَأَمَرَ الْجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ مَوْلَى بَنِي رَاسِبٍ وَيُكَنَّى بأبي محرز - وهو الذي نسبت إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْجَهْمِيَّةُ (?) - أَنْ يَقْرَأَ كِتَابًا فِيهِ سِيرَةِ الْحَارِثِ عَلَى النَّاسِ، وَكَانَ الْحَارِثُ يَقُولُ أَنَا صَاحِبُ الرَّايَاتِ السُّودِ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِ نَصْرٌ يقول: لئن كُنْتَ ذَاكَ فَلَعَمْرِي إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخَرِّبُونَ سُورَ دِمَشْقَ وَتُزِيلُونَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَخْذْ مِنِّي خَمْسَمِائَةِ رأس ومائة بعير، وَإِنْ كُنْتَ غَيْرَهُ فَقَدْ أَهْلَكْتَ عَشِيرَتَكَ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَارِثُ يَقُولُ: لَعَمْرِي إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ.

فَقَالَ لَهُ نَصْرٌ: فَابْدَأْ بِالْكَرْمَانِيِّ أَوَّلًا، ثُمَّ سِرْ إِلَى الرَّيِّ، وَأَنَا فِي طَاعَتِكَ إِذَا وَصَّلْتَهَا.

ثُمَّ تَنَاظَرَ نَصْرٌ وَالْحَارِثُ وَرَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَالْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فَحَكَمَا أَنْ يُعْزَلَ نَصْرٌ وَيَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى.

فَامْتَنَعَ نَصْرٌ مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ، وَلَزِمَ الجهم بن صفوان وغير قراءة سيرة الحارث على النَّاس في الجامع والطرق، فاستجاب له خلق كثير، وجم غَفِيرٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ انْتَدَبَ لِقِتَالِهِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْجُيُوشِ عَنْ أَمْرِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، فَقَصَدُوهُ فحارب دُونَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْهُمُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي فِيهِ فَقَتَلَهُ، وَيُقَالُ بَلْ أُسِرَ الْجَهْمُ فَأُوقِفُ بَيْنَ يَدَيْ سَلْمِ بْنِ أَحْوَزَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: إن

لي أماناً من أبيك، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَكَ، وَلَوْ فَعَلَ مَا أَمَّنْتُكَ، وَلَوْ مَلَأْتَ هَذِهِ الْمُلَاءَةَ كواكب، وأنزلت عيسى بن مَرْيَمَ، مَا نَجَوْتَ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ فِي بطني لشققت بطني حتى أقتلك.

وأمر ابن ميسر فَقَتَلَهُ.

ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ وَالْكَرْمَانِيُّ عَلَى نَصْرٍ وَمُخَالَفَتِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَتَحْرِيمِ الْمُنْكِرَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَاقْتَتَلَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَغَلَبَ الْكَرْمَانِيُّ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ.

وَكَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ فتحول إِلَى فَرَسٍ فَحَرَنَتْ أَنْ تَمْشِيَ، وَهَرَبَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْهُمْ سِوَى مِائَةٌ، فَأَدْرَكَهُ أَصْحَابُ الْكَرْمَانِيِّ فَقَتَلُوهُ تَحْتَ شَجَرَةِ زَيْتُونٍ، وقيل تحت شجرة عبيرا (?) .

وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ لَسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَقُتِلَ مَعَهُ مِائَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاحْتَاطَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَمْوَالِهِ، وَأَخَذَ أموال من خرج معه أيضاً، وأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015