إِحْدَى وَتِسْعِينَ، ثُمَّ حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ سَنَةَ ثنتين أو ثلاث وَتِسْعِينَ.
وَبَنَى فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ هَذِهِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَسَّعَهُ عَنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ لَهُ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ فِيهِ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ مُعَاشَرَةً، وَأَعْدَلِهِمْ سِيرَةً، كَانَ إِذَا وَقَعَ لَهُ أَمْرٌ مُشْكِلٌ جَمَعَ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَيَّنَ عَشَرَةً مِنْهُمْ، وَكَانَ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا بِدُونِهِمْ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ، وَهُمْ عُرْوَةُ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وأبو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وأبو بكر بن سليمان بن خَيْثَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن حزم، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
وَكَانَ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يَأْتِي أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَكَانَ يَأْتِي إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، وقال إبراهيم بن عَبْلَةَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَبِهَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ، وقد ندبهم عمر يوماً إلى رأي.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حدَّثني اللَّيث، حدَّثني قَادِمٌ البريري أَنَّهُ ذَاكَرَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يوماً شَيْئًا مِنْ قَضَايَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذ كان بالمدينة، فقال له الربيع: كَأَنَّكَ تَقُولُ: أَخْطَأَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَخْطَأَ قَطُّ.
وَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمام أشبه بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا الْفَتَى - يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - حِينَ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ.
قَالُوا: وَكَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَيُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَشْرًا عَشْرًا، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عن أبي النضر المديني، قال: رأيت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ خَارِجًا مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ عِنْدِ عُمَرَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قُلْتُ: تُعَلِّمُونَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هُوَ وَاللَّهِ أَعْلَمُكُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أتينا عمر نُعَلِّمُهُ فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى تَعَلَّمْنَا مِنْهُ.
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كَانَتِ الْعُلَمَاءُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَلَامِذَةً، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مَيْمُونٌ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُعَلِّمَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ قَدْ صحب ابن عمر وابن عباس، مكان عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْجَزِيرَةِ، قال: ما التمسنا علم شئ إِلَّا وَجَدْنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَمَا كَانَ الْعُلَمَاءُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَّا تَلَامِذَةً.
وَقَالَ عبد الله بن طاووس: رَأَيْتُ أَبِي تَوَاقَفَ هُوَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا قُلْتُ: يَا أَبَهْ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ مِنْ صَالِحِي هَذَا الْبَيْتِ - يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا كَانَ بَدْءُ إِنَابَتِكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ ضَرْبَ غُلَامٍ لِي فَقَالَ لي: اذكر يوما صبيحتها يعني يَوْمَ الْقِيَامَةِ (?) .
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: لَمَّا عُزِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْمَدِينَةِ - يَعْنِي في سنة ثلاث وتسعين -