إن شاء الله، وَكَانَ مِمَّا بَادَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنْ بَعَثَ (?) إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بِأَرْضِ الرُّومِ مُحَاصِرُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَقَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحَالُ وَضَاقَ عَلَيْهِمُ الْمَجَالُ، لِأَنَّهُمْ عَسْكَرٌ كَثِيرٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى الشَّام إِلَى مَنَازِلِهِمْ.

وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِطَعَامٍ كَثِيرٍ وَخُيُولٍ كَثِيرَةٍ عِتَاقٍ، يقال خمسمائة فرس، ففرح الناس بذلك.

وفيها أَغَارَتِ التُّرْكُ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا من المسلمين، فوجه إليهم عمر حَاتِمَ بْنَ النُّعْمَانِ الْبَاهِلِيَّ فَقَتَلَ أُولَئِكَ الْأَتْرَاكَ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَبَعَثَ مِنْهُمْ أُسَارَى (?) إِلَى عُمَرَ وَهُوَ بِخُنَاصِرَةَ.

وَقَدْ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ يُذَكِّرُونَهُ بَعْدَ أَذَانِهِمْ بِاقْتِرَابِ الْوَقْتِ وَضِيقِهِ لئلا يؤخرها كما كان يؤخرها من قبله، لكثرة الاشتغال، وكان ذلك عن أمره لهم بذلك والله أعلم.

فروى ابن عساكر في ترجمة جرير بْنِ عُثْمَانَ الرَّحْبِيِّ الْحِمْصِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُؤَذِّنِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الصَّلَاةُ قَدْ قَارَبَتْ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُمَرُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ عَنْ إِمْرَةِ الْعِرَاقِ وَبَعَثَ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ الْفَزَارِيَّ عَلَى إِمْرَةِ البصرة، فاستقضى عليها الحسن البصري، ثم استعفاه فَأَعْفَاهُ، وَاسْتَقْضَى مَكَانَهُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الذَّكِيَّ الْمَشْهُورَ، وَبَعَثَ عَلَى إِمْرَةِ الْكُوفَةِ وَأَرْضِهَا عَبْدَ الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطَّاب، وَضَمَّ إِلَيْهِ أَبَا الزِّنَادِ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْضَى عَلَيْهَا عَامِرًا الشَّعْبِيَّ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ قَاضِيًا عَلَيْهَا مُدَّةَ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَعَلَ عَلَى إِمْرَةِ خُرَاسَانَ الْجَرَّاحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيَّ، وَكَانَ نَائِبَ مَكَّةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَعَلَى إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ الَّذِي حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَعَزَلَ عَنْ إِمْرَةِ مِصْرَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أبي وداعة وَوَلَّى عَلَيْهَا أَيُّوبَ بْنَ شُرَحْبِيلَ، وَجَعَلَ الْفُتْيَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ النَّاسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، وَأَسْلَمَ فِي وِلَايَتِهِ عَلَى بلاد المغرب خلق كثير من البرير وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وممن توفي فيها

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحَسَنُ بْنُ محمد بن الْحَنَفِيَّةِ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، يُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ.

وَذَكَرَ خَلِيفَةُ إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي الإعلام أنه توفي هذا العام، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015