ذَلِكَ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَمْ تَحْمِلْهُ رِجْلَاهُ حَتَّى أَخَذُوا بِضَبْعَيْهِ فَأَصْعَدُوهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَسَكَتَ حِينًا، فَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حيوة: ألا تقوموا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَتُبَايِعُوهُ، فَنَهَضَ الْقَوْمُ فَبَايَعُوهُ، ثم أبى هِشَامٌ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيُبَايِعَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ! إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ الَّذِي صِرْتُ أَنَا وَأَنْتَ نَتَنَازَعُ هَذَا الْأَمْرَ.
ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاس خُطْبَةً بَلِيغَةً وَبَايَعُوهُ، فَكَانَ مِمَّا قال في خطبته: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، وَإِنَّ مَنْ حَوْلَكُمْ من الأمصار والمدن
إن أَطَاعُوا كَمَا أَطَعْتُمْ فَأَنَا وَالِيكُمْ، وَإِنْ هُمْ أبوا فلست لكم بوالٍ (?) ، ثم نزل، فأخذوا فِي جِهَازِ سُلَيْمَانَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَلَمْ يَفْرَغُوا مِنْهُ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، فَصَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ وَدُفِنَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُمَرُ أُتِيَ بمراكب الخلافة [فأبى أن يركبها] وركب دابته وانصرف مَعَ النَّاسِ حَتَّى أَتَوْا دِمَشْقَ، فَمَالُوا بِهِ نَحْوَ دَارِ الْخِلَافَةِ فَقَالَ: لَا أَنْزِلُ إِلَّا فِي مَنْزِلِي (?) حَتَّى تَفْرُغَ دَارُ أَبِي أَيُّوبَ، فاستحسنوا ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِالْكَاتِبِ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيْهِ نُسْخَةَ الْكِتَابِ الَّذِي يُبَايِعُ عَلَيْهِ الْأَمْصَارَ (?) ، قَالَ رَجَاءٌ: فَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ.
قَالَ محمد بن إسحاق: وكانت وَفَاةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِدَابِقٍ مِنْ أَرْضِ قِنَّسْرِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَتْ من صفر ستة تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، عَلَى رَأْسِ سَنَتَيْنِ وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ مُتَوَفَّى الْوَلِيدِ، وَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَارِيخِ وَفَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لِعَشَرٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، وَقَالُوا: كَانَتْ وِلَايَتُهُ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي أَحْمَدَ: أنه توفي يوم الجمعة لثلاث عشر بقين من رمضان سنة تسع وتسعين، حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَقَدْ خَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ مَا قَالَهُ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَقِيلَ بِخَمْسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: وَكَانَ طَوِيلًا جَمِيلًا أَبْيَضَ نَحِيفًا، حَسَنَ الْوَجْهِ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، وَكَانَ فَصِيحًا بَلِيغًا، يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَيَرْجِعُ إِلَى دِينٍ وَخَيْرٍ وَمَحَبَّةٍ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِظْهَارِ الشَّرَائِعِ الْإِسْلَامِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ آلَى عَلَى نَفْسِهِ حِينَ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مَرْجِ دَابِقٍ - وَدَابِقٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بلاد حلب - لما جهز الْجُيُوشُ إِلَى مَدِينَةِ الرُّومِ الْعُظْمَى الْمُسَمَّاةُ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، أن لا يرجع