مَاتَ.
قُلْتُ: كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمِصْرَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ فأكرمه وسأله عن حبه بثينة فقال: شديداً، وَاسْتَنْشَدَهُ مِنْ أَشْعَارِهِ وَمَدَائِحِهِ فَأَنْشَدَهُ فَوَعَدَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَعَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ آمِينَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ جَمِيلًا قَالَ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً إِلَى حَيِّ بُثَيْنَةَ وَلَكَ مَا
عِنْدِي؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَارْكَبْ نَاقَتِي وَالْبَسْ حُلَّتِي هَذِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ أَبْيَاتًا مِنْهَا قَوْلُهُ: قومي بثينة فاندبي بعويل * وابكي خَلِيلًا دُونَ كُلِّ خَلِيلِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى حيهم أنشد الأبيات فخرجت بثينة كأنها بدر سرى في جنة وَهِيَ تَتَثَنَّى فِي مَرْطِهَا فَقَالَتْ لَهُ: وَيْحَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ قَتَلْتَنِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَقَدْ فَضَحْتَنِي.
فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ صَادِقٌ وهذه حلته وناقته، فلما تحققت ذلك أنشدت أبياتاً ترثيه بها وتتأسف عليه فيها (?) ، وأنه لا يطيب لها العيش بعده، ولا خير لها في الحياة بعد فقده، ثم ماتت من ساعتها: قَالَ الرَّجُلُ: فَمَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ بَاكِيًا وَلَا بَاكِيَةً مِنْ يَوْمئِذٍ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ بِدِمَشْقَ: لَوْ تَرَكْتَ الشِّعْرَ وَحَفِظْتَ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: هَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بخبرني عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لِحِكْمَةً " (?) .
عُمَرُ بن عبيد الله ابن مَعْمَرِ بْنِ عُثْمَانَ أَبُو حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ التَّمِيمِيُّ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالْأُمَرَاءِ الْأَمْجَادِ، فُتِحَتْ عَلَى يَدَيْهِ بُلْدَانٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ نَائِبًا لِابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَقَدْ فَتَحَ كَابُلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ قُطْرِيَّ بْنَ الْفُجَاءَةِ، رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا، وعن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَتُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ.
قَالَهُ الْمَدَائِنِيُّ.
وَحُكِيَ أنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً كَانَتْ تُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَالشِّعْرَ وَغَيْرَهُ فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مَالَهُ كُلَّهُ حَتَّى أفلس ولم يبق له شئ سِوَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَقَالَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ: قَدْ أرى ما بك من قلة الشئ.
فَلَوْ بِعْتَنِي وَانْتَفَعْتَ بِثَمَنِي صَلُحَ حَالُكَ، فَبَاعَهَا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا (?) - وَهُوَ يَوْمئِذٍ أمير البصرة بمائة ألف