قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَغَرَقًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الانعام: 96] قَالَ ثُمَّ أُخْرِجَ وَحُمِلَ إِلَى الْحَجَّاجِ فَأَمَرَ فَنُزِعَ قَلْبُهُ مِنْ صَدْرِهِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْحَجَرِ، وَكَانَ شَبِيبٌ رَجُلًا طَوِيلًا أَشْمَطَ جَعْدَا، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي يَوْمِ عِيدِ النَّحْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ (?) ، وَقَدْ أُمْسِكَ رَجُلٌ (?) مِنْ أَصْحَابِهِ فَحُمِلَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَقَالَ له أنت الْقَائِلَ: فَإِنْ يَكُ مِنْكُمْ كَانَ مَرْوَانُ وَابْنُهُ * وَعَمْرٌو وَمِنْكُمْ هَاشِمٌ وَحَبِيبُ
فَمِنَّا حُصَيْنٌ (?) وَالْبَطِينُ وَقَعْنَبٌ * وَمِنَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ شَبِيبُ فَقَالَ: إِنَّمَا قلت ومنا يا أمير المؤمنين شبيب.
فأعجبه اعتذاره وأطلقه والله سبحانه أعلم.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا بَيْنَ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ نَائِبِ الْحَجَّاجِ، وَبَيْنَ الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَزَارِقَةِ وَأَمِيرِهِمْ قَطَرِيِّ بْنِ الفجاءة، وكان قطري أَيْضًا مِنَ الْفُرْسَانِ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ الْمَشْهُورِينَ وَقَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَنَفَرُوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وأما هو فلا يدري أحد أين ذهب فإنه شرد في الأرض (?) وَقَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمْ مُنَاوَشَاتٌ وَمُجَاوَلَاتٌ يَطُولُ بَسْطُهَا، وقد بالغ ابن جرير في ذكرها في تاريخه.
قال ابن جرير: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَارَ بُكَيْرُ بْنُ وِشَاحٍ الَّذِي كَانَ نَائِبَ خُرَاسَانَ عَلَى نَائِبِهَا أُمَيَّةَ بن عبد الله بن خالد وَذَلِكَ أَنْ بُكَيْرًا اسْتَجَاشَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَغَدَرَ به وقتله، وقد جرت بينهما حروب طويلة قد استقصاها ابن جرير فِي تَارِيخِهِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَفَاةُ شبيب بن يزيد كما قدمنا، وقد كان من الشجاعة والفروسة على جانب كبير لم ير بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِثْلَهُ، وَمِثْلَ الْأَشْتَرِ وَابْنِهُ إِبْرَاهِيمَ ومصعب بن الزبير وأخيه عبد الله ومن يُنَاطُ بِهَؤُلَاءِ فِي الشَّجَاعَةِ مِثْلَ قَطَرِيِّ بْنِ الفجاءة من الأزارقة والله أعلم.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ، كَانَ كَبِيرًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ، وَلَهُ بِالْمَدِينَةِ دَارٌ كَبِيرَةٌ بِالْمُصَلَّى، وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ كَاتِبَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى الرَّسَائِلِ، تُوُفِّيَ بِالشَّامِ.
مُحَمَّدُ بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَلَّاهُ سِجِسْتَانَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا قِيلَ لَهُ إِنَّ شَبِيبًا فِي طَرِيقِكَ وَقَدْ أَعْيَا النَّاسَ فَاعْدِلْ إِلَيْهِ لَعَلَّكَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَيَكُونَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَشُهْرَتُهُ لَكَ إِلَى الْأَبَدِ، فَلَمَّا سَارَ لَقِيَهُ شَبِيبٌ فَاقْتَتَلَ مَعَهُ فَقَتَلَهُ شبيب.
وقيل غير ذلك والله أعلم.