رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خياط وأبو عبيدة وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بِالشَّامِ.
أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَامَ الْهِجْرَةِ حِينَ شَقَّتْ نطاقها فربطت بِهِ سُفْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَبِي بَكْرٍ حين خرجا عامدين إلى المدينة، وأمها قيلة وقيل قبيلة (?) بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.
أَسْلَمَتْ أَسْمَاءُ قَدِيمًا وَهُمْ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهَاجَرَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا الزُّبَيْرُ وَهِيَ حامل متمّ بولدها عبد الله فوضعته بقبا أَوَّلَ مَقْدِمِهِمِ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِلزُّبَيْرِ بَعْدَ ذلك عروة والمنذر.
وهي آخر المهاجرين والمهاجرات موتاً، وكانت هي وأختها عائشة وأبوها أبو بكر الصديق وجدها أبو عتيق وابنها عبد الله وزوجها الزبير صحابيين رضي الله عنهم، وقد شهدت اليرموك مع ابنها وزوجها، وهي أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا عائشة بعشر سنين.
وقيل إن الحجاج دخل عليها بعد أن قتل ابنها فقال: يا أماه إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكِ فَهَلْ لَكِ من حاجة؟ فقالت: لست لك بأمٍ، إنما أنا أم المصلوب على الثنية، ومالي من حاجة، ولكن أحدثك إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كذَّاب وَمُبِيرٌ " فَأَمَّا الكذَّاب فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وأمَّا الْمُبِيرُ فَلَا أراك إلا إياه، فقال: أنا مبير المنافقين.
وقيل إن ابن عمر دخل معه عليها وابنها مصلوب فقال لها: إن هذا الجسد ليس بشئ وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟.
وقيل إنها غسلته وحنطته وكفنته وطيبته وصلت عليه ثم دفنته، ثم ماتت بعده بأيام في آخر جمادى الآخرة، ثم أن الزبير لما كبرت طلقها، وَقِيلَ بَلْ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ: إِنَّ مِثْلِي لَا تُوطَأُ أُمُّهُ، فَطَلَّقَهَا الزُّبَيْرُ، وَقِيلَ: بَلِ اخْتَصَمَتْ هِيَ وَالزُّبَيْرُ فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنْ دَخَلْتَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَدَخَلْتُ فَبَانَتْ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ عُمِّرَتْ أَسْمَاءُ دَهْرًا صَالِحًا وَأَضَرَّتْ فِي آخِرِ عُمُرِهَا، وَقِيلَ بَلْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْبَصَرِ لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ.
وَأَدْرَكَتْ قَتْلَ وَلَدِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَهُ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بِعَشَرَةٍ، وَقِيلَ بِعِشْرِينَ، وَقِيلَ بضع وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ عَاشَتْ بَعْدَهُ مِائَةَ يَوْمٍ وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَبَلَغَتْ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةَ سَنَةٍ وَلَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ لَهَا عقل رحمها الله.
وَقَدْ رَوَتْ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ طَيِّبَةٍ مُبَارَكَةٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَحِمَهَا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ - عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْبَصْرَةِ وَأَضَافَهَا إِلَى أَخِيهِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ مَعَ الكوفة، فارتحل إليها واستخلف على الكوفة