طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ ".
قَالُوا فَعَمَدَ عُوجُ إِلَى قِمَّةِ جَبَلٍ فَاقْتَلَعَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا بِيَدَيْهِ لِيُلْقِيَهَا عَلَى جَيْشِ مُوسَى فَجَاءَ طَائِرٌ فَنَقَرَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ، فَخَرَقَهَا فَصَارَتْ طَوْقًا فِي عُنُقِ عُوجَ بْنِ عُنُقَ (?) .
ثُمَّ عَمَدَ مُوسَى إِلَيْهِ فَوَثَبَ فِي الْهَوَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَطُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ، وَطُولُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَوَصَلَ إِلَى كعب قدمه فقتله.
يروى هذا عن عوف الْبِكَالِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ إِلَيْهِ نَظَرٌ * ثُمَّ هُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَكُلُّ هَذِهِ مِنْ وَضْعِ جُهَّالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الْكِذْبَةَ قد كثرت عندهم ولا تميز لهم بين صحتها وَبَاطِلِهَا.
ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعْذُورِينَ فِي النُّكُولِ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَقَدْ ذمَّهم اللَّهُ عَلَى نُكُولِهِمْ، وَعَاقَبَهُمْ بِالتِّيهِ عَلَى تَرْكِ جِهَادِهِمْ، وَمُخَالَفَتِهِمْ رَسُولَهُمْ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، مِنْهُمْ بِالْإِقْدَامِ وَنَهَيَاهُمْ عَنِ الْإِحْجَامِ * وَيُقَالُ إِنَّهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بن يوقنا (?) قَالَهُ ابْنُ عبَّاس وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَطِيَّةُ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ) أَيْ يَخَافُونَ اللَّهَ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ يخُافون أَيْ يهابون (أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالشَّجَاعَةِ (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ.
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ إِذَا تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَاسْتَعَنْتُمْ بِهِ، وَلَجَأْتُمْ إِلَيْهِ، نَصَرَكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَأَيَّدَكُمْ عَلَيْهِمْ وأظفركم بهم.
(قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنا ههنا قاعدون) فصمم ملاؤهم على النكول عَنِ الْجِهَادِ، وَوَقَعَ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَوَهَنٌ كَبِيرٌ.
فَيُقَالُ إِنَّ يُوشَعَ وَكَالِبَ لَمَّا سَمِعَا هَذَا الكلام شقا ثيابهما، وإن موسى وهرون سجدا إعظاماً لهذا الكلام وغضباً لله عزوجل، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ مِنْ وَبِيلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة: 35] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (اقْضِ
بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) .
(قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة: 30] عُوقِبُوا على نكولهم بالتيهان (?) في الأرض يسيرون إِلَى غَيْرِ مَقْصِدٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَبَاحًا وَمَسَاءً وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ التِّيهِ مِمَّنْ دَخَلَهُ بَلْ مَاتُوا كُلُّهُمْ فِي مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ذَرَّارِيُّهُمْ سِوَى يُوشَعَ وَكَالِبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
لَكِنَّ أَصْحَابَ محمَّد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يقولوا