أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ فَأَقُولُ: لَا! أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، قَالَ: فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ حَوْلِي النَّاسُ يَسْأَلُونِي، فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأنصار، إن كنت لأقبل بِبَابِ أَحَدِهِمْ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي عليه لأذن لي، وَلَكِنْ أَبْتَغِي بِذَلِكَ طِيبَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بن سعد: أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْزَمُ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَسْأَلُهُمْ عَنْ
مَغَازِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ لَا آتِي أَحَدًا منهم إلا سر بإتياني إليه، لِقُرْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَسْأَلُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَوْمًا - وَكَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ - عَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: نَزَلَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سورة وسائرها مكي.
وَقَالَ أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عبَّاس مِنْ ثَلَاثَةٍ، مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّه قَالَ: إنَّ كنت لأسأل عن الأمر الواحد من ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّى أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ؟ قال: بلسان سؤول، وَقَلْبٍ عَقُولٍ.
وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُجْلِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَعَ مَشَايِخِ الصَّحَابَةِ وَيَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ يَقُولُ عُمَرُ: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السؤول، وَالْقَلْبِ الْعُقُولِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ تَفْسِيرِ: * (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) * [النصر: 1] فَسَكَتَ بَعْضٌ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِجَوَابٍ لَمْ يَرْتَضِهِ عُمَرُ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهَا فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم نُعي إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا أعلم منها إلا بما تَعْلَمُ، وَأَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ جَلَالَةَ قَدْرِهِ، وَكَبِيرَ مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ (?) .
وَسَأَلَهُ مَرَّةً عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَاسْتَنْبَطَ أَنَّهَا في السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ وَاسْتَجَادَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير عن عمر أنه قال لِابْنِ عبَّاس: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْمًا مَا عَلِمْنَاهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ لَأَصْبَحُ فِتْيَانِنَا وَجْهًا، وَأَحْسَنُهُمْ عَقْلًا، وَأَفْقَهُهُمْ فِي كتاب الله عز وجل.
وقال مجاهد عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لي أبي: إن عمر يُدْنِيكَ وَيُجْلِسُكَ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا، لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا.
قَالَ