[القصص: 4] وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ أَوِ الْكُوفَةِ، ثُمَّ قَالَ: * (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) * [القصص: 5] وَأَشَارَ إِلَى الْحِجَازِ.
وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ إِنَّكُمْ تُلَقِّبُونَ أُمَرَاءَكُمْ، وَقَدْ سَمَّيَتُ نَفْسِي الْجَزَّارَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَفَرِحُوا له، وَلَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الْكُوفَةِ حِينَ خَرَجُوا عَلَى الْمُخْتَارِ فَقَهَرَهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، كَانَ لَا يَنْهَزِمُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِلَّا قَصَدَ البصرة، ثم خرج المختار ليلتقي بالذي جاء بالرؤوس والبشارة، اغْتَنَمَ مَنْ بَقِيَ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَعْدَاءِ الْمُخْتَارِ غَيْبَتَهُ فَذَهَبُوا إِلَى الْبَصْرَةِ فِرَارًا مِنَ الْمُخْتَارِ لِقِلَّةِ دِينِهِ وَكَفْرِهِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَأَنَّهُ قَدَّمُ الْمَوَالِي عَلَى الْأَشْرَافِ وَاتَّفَقَ أَنَّ ابن الأشتر حين قتل ابن زياد واستقل بِتِلْكَ النَّوَاحِي، فَأَحْرَزَ بِلَادًا وَأَقَالِيمَ وَرَسَاتِيقَ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَهَانَ بِالْمُخْتَارِ، فَطَمِعَ مُصْعَبٌ فِيهِ وَبَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى الْبَرِيدِ (?) إِلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، وَهُوَ نَائِبُهُمْ عَلَى خُرَاسَانَ، فَقَدِمَ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ وَمَالٍ وَرِجَالٍ وعَدَدٍ وعِددٍ، وَجَيْشٍ كَثِيفٍ (?) ، فَفَرِحَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَتَقَوَّى بِهِ مُصْعَبٌ، فَرَكِبَ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَرَكِبُوا فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ قَاصِدِينَ الْكُوفَةَ.
وَقَدَّمَ مُصْعَبٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبَّادَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَجَعَلَ عَلَى ميمنته عمر بن عبد اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ، وَرَتَّبَ الْأُمَرَاءَ عَلَى رَايَاتِهَا وَقَبَائِلِهَا، كَمَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ، وَالْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، وَزِيَادِ بْنِ عُمَرَ (?) ، وَقَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَرَجَ الْمُخْتَارُ بِعَسْكَرِهِ فَنَزَلَ الْمَذَارَ وَقَدْ جَعَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ أَبَا كَامِلٍ الشَّاكِرِيَّ (?) ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَامِلٍ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ (?) الْجُشَمِيَّ، وَعَلَى الْخَيْلِ وَزِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ السَّلُولِيَّ، وَعَلَى الْمَوَالِي أَبَا عَمْرَةَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ.
ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْجُيُوشَ، وَرَكِبَ هُوَ وَخَلْقٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يُبَشِّرُهُمْ بِالنَّصْرِ، فَلَمَّا انْتَهَى مُصْعَبٌ إِلَى قَرِيبِ الْكُوفَةِ لَقِيَتْهُمُ الْكَتَائِبُ الْمُخْتَارِيَّةُ
فَحَمَلَتْ عَلَيْهِمُ الْفُرْسَانُ الزُّبَيْرِيَّةُ، فَمَا لَبِثَتِ الْمُخْتَارِيَّةُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى هَرَبُوا عَلَى حِمْيَةٍ، وقد قتل