النَّاسِ، وَكَذَّبَهُ آخَرُونَ، وَثَارَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَامَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ شَابٌّ حَدَثٌ عَلَى دَرَجَتَيْنِ مِنَ الْمِنْبَرِ فَسَكَّنَ النَّاسَ، وَنَزَلَ الضَّحَّاكُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ، وَأَمَرَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَّقُوا نَاغِضَةَ أَنْ يُسْجَنُوا، فَثَارَتْ قَبَائِلُهُمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ السِّجْنِ، وَاضْطَرَبَ أَهْلُ دِمَشْقَ فِي ابْنِ الزُّبَيْرِ وبني أمية، وكان اجتماع الناس لذلك وَوُقُوفُهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِبَابِ الْجَيْرُونِ " فَسُمِّيَ هذا اليوم بيوم جَيْرُونَ ".
قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَدْ أَرَادَ النَّاسُ الْوَلِيدَ بن عتبة بن أبي سفيان أَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ فَأَبَى، وَهَلَكَ فِي
تِلْكَ اللَّيَالِي (?) ، ثُمَّ إِنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ صَعِدَ مِنْبَرَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَخَطَبَهُمْ بِهِ، وَنَالَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَابٌّ مِنْ بني كلب فضربه بعصى كَانَتْ مَعَهُ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مُتَقَلِّدِي سُيُوفَهُمْ، فَقَامَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَاقْتَتَلُوا فِي الْمَسْجِدِ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَيْسٌ وَمَنْ لَفَّ لَفِيفَهَا يَدْعُونَ إِلَى ابْنِ الزُّبير وَيَنْصُرُونَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، وَبَنُو كَلْبٍ يَدْعُونَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَإِلَى الْبَيْعَةِ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيَتَعَصَّبُونَ لِيَزِيدَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَنَهَضَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ فَدَخَلَ دَارَ الْإِمَارَةِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى الناس إلا يَوْمِ السَّبْتِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَجَمَعَهُمْ إِلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَفِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ مِمَّا كَانَ مِنْهُ، وَاتَّفَقَ مَعَهُمْ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُمْ إِلَى حَسَّانَ بْنِ مَالِكٍ الْكَلْبِيَّ فَيَتَّفِقُوا عَلَى رَجُلٍ يَرْتَضُونَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ لِلْإِمَارَةِ، فَرَكِبُوا جَمِيعًا إليه، فينما هُمْ يَسِيرُونَ إِلَى الْجَابِيَةِ لِقَصْدِ حَسَّانَ، إِذْ جاء معن بن ثور بْنِ الْأَخْنَسِ فِي قَوْمِهِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ دَعَوْتَنَا إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَجَبْنَاكَ، وأنت الآن ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَخْلِفَ ابْنَ أُخْتِهِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ الضحاك: وما الرَّأْيُ؟ قَالَ: الرَّأْيُ أَنْ نُظْهِرَ مَا كُنَّا نُسِرُّ، وَأَنْ نَدْعُوَ إِلَى طَاعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ونقاتل عليها من أباها.
فَمَالَ الضَّحَّاكُ بِمَنْ مَعَهُ فَرَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ (?) ، فَأَقَامَ بِهَا بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ مِنْ قَيْسٍ وَمَنْ لَفَّ لَفِيفَهَا، وَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَبَايَعَ النَّاسَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَذَكَرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَشَكَرَهُ عَلَى صَنِيعِهِ، وَكَتَبَ إليه بنيابة الشام، وقيل بل بايع لنفسه بالخلافة فالله أعلم.
وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّهُ إِنَّمَا دَعَا إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ حَسَّنَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى نفسه، وذلك إنما فعله مكراً منه وكباراً ليفسد عليه ما هو بصدده، فَدَعَا الضَّحَّاكُ إِلَى نَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَنَقَمَ الناس عليه ذلك وقالوا: دعوتنا إلى بيعة رجل فبايعناه ثم خلعته بلا سبب