مُتَلَازِمٌ أَيْ هَكَذَا إِذَا خَالَفَتِ الْقُلُوبُ الْحَقَّ - وَلَا تُخَالِفُهُ إِلَّا بِلَا بُرْهَانٍ - فَإِنَّ اللَّهَ يطبع عليها، أي يختم عليها [بما فيها] (?) .
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي
تَبَابٍ) [غَافِرٍ: 36 - 37] كَذَّبَ فِرْعَوْنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ وَزَعَمَ فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ مَا كَذَّبَهُ وَافْتَرَاهُ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لاظنه كاذبا) [القصص: 33] وقال ههنا (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ) أَيْ طُرُقَهَا وَمَسَالِكَهَا (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً) وَيَحْتَمِلُ هَذَا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ إِنَّ لِلْعَالَمِ رَبًّا غَيْرِي وَالثَّانِي فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ.
وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ حَالِ فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ ظَاهِرَ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ حَيْثُ قال (فأطلع إلى إله موسى) أَيْ فَأَسْأَلَهُ هَلْ أَرْسَلَهُ أَمْ لَا (وَإِنِّي لأظنه كاذبا) أَيْ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَصُدَّ النَّاسَ عَنْ تَصْدِيقِ مُوسَى عليه السلام أن يَحُثَّهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سوء علمه وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) [غافر: 37] وَقُرِئَ (وَصَدَّ عَنِ السبيل ما كيد فرعون إلا في تباب) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ يَقُولُ إِلَّا فِي خسار أي باطل لا يحصل له شئ مِنْ مَقْصُودِهِ الَّذِي رَامَهُ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْبَشَرِ أَنْ يَتَوَصَّلُوا بِقُوَاهُمْ إِلَى نَيْلِ السَّمَاءِ أَبَدًا.
أَعْنِي السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَكَيْفَ بِمَا بَعْدَهَا من السموات الْعُلَى، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ الِارْتِفَاعِ، الَّذِي لا يعلمه إلا الله عزوجل.
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الصَّرْحَ، وَهُوَ الْقَصْرُ الَّذِي بَنَاهُ وَزِيرُهُ هَامَانُ له، لم يرَ بناء أعلى منه وإن كَانَ مَبْنِيًّا مِنَ الْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ بِالنَّارِ وَلِهَذَا قال (فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا) [القصص: 38] وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يُسَخَّرُونَ فِي ضَرْبِ اللَّبِنِ وَكَانَ مِمَّا حَمَلُوا مِنَ التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شئ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِيهِ بَلْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ تُرَابَهُ وَتِبْنَهُ وَمَاءَهُ، وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ قِسْطٌ مُعَيَّنٌ، إِنْ لَمْ يَفْعَلُوهُ وَإِلَّا (?) ضُرِبُوا وَأُهِينُوا غَايَةَ الْإِهَانَةِ وَأُوذُوا غَايَةَ الْأَذِيَّةِ.
وَلِهَذَا قَالُوا لِمُوسَى (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أن تأتينا ومن بعدما جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فَوَعَدَهُمْ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُمْ عَلَى الْقِبْطِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
وَلْنَرْجِعْ إِلَى نَصِيحَةِ الْمُؤْمِنِ وَمَوْعِظَتِهِ وَاحْتِجَاجِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ