فأضحى الذي قد كان مما يسرني * كحكمٍ مَضَى فِي الْمُزْمِنَاتِ الْغَوَابِرِ فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أعن في الملك ساعةً * وَلَمْ أَسْعَ فِي لَذَّاتِ عَيْشٍ نَوَاضِرِ وَكُنْتُ كَذِي طِمْرَيْنِ عاش ببلغةٍ * فلم يك حَتَّى زَارَ ضِيقَ الْمَقَابِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا احْتُضِرَ أَوْصَى بْنصْفِ مَالِهِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ - كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُطَيَّبَ لَهُ - لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَاسَمَ عُمَّالَهُ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَرْدُ فَكَانَ إِذَا لبس أو تغطى بشئ ثقيل يغمه، فاتخذ له ثوباً مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، ثُمَّ ثَقُلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: تَبًّا لَكِ مِنْ دَارٍ، مَلَكْتُكِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، عِشْرِينَ أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ خَلِيفَةً، ثُمَّ هَذَا حَالِي فِيكِ، وَمَصِيرِي مِنْكِ، تَبًّا لِلدُّنْيَا ولمحبيها.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا أبو عبيدة، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ.
قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ وَتَحَدَّثَ الناس بموته قَالَ لِأَهْلِهِ: احْشُوَا عَيْنَيَّ إِثْمِدًا، وَأَوْسِعُوا رَأْسِي دهناً، ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن، ثم مهد له مجلس وقال: أسندوني، ثم قال: إيذنوا لِلنَّاسِ فَلْيُسَلِّمُوا عَلَيَّ قِيَامًا وَلَا يَجْلِسْ أَحَدٌ، فجعل الرجل يدخل فيسلم قائماً فيراه مكتحلاً متدهناً فيقول
متقول الناس إن أمير المؤمنين لَمًّا بِهِ وَهُوَ أَصَحُّ النَّاسِ، فَلَمَّا خَرَجُوا من عنده قال معاوية في ذلك: وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ * أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا * أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تنفع (?) قال: وكان به النقابة (?) - يعني لوقة - فمات من يومه (?) ذلك رحمه الله.
وقال موسى بن عقبة: لما نزل معاوية الْمَوْتَ قَالَ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ بِذِي طَوًى، وَلَمْ ألِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْئًا.
وَقَالَ أَبُو السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رَبِّ * عَذَابًا لَا طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ أَوْ تُجَاوِزْ تَجَاوُزَ الْعَفْوِ واصفح (?) * عن مسئ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ جَعَلَ أَهْلُهُ يُقَلِّبُونَهُ فَقَالَ لَهُمْ: أَيَّ شَيْخٍ تقلبون؟ إن نجاه الله من عذاب النار غدا.