الشَّامِ.

ثُمَّ إِنَّ زِيَادًا أَتْبَعَهُمْ بِرَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ، عُتْبَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، وَسَعْدِ بن عمران (?) الْهَمْدَانِيِّ، فَكَمَلُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَيُقَالُ: إِنَّ حُجْرًا لَمَّا دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: السَّلام عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ غَضَبًا شَدِيدًا وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، ويقال إن معاوية ركب فتلقاهم في مَرْجِ عَذْرَاءَ، وَيُقَالُ: بَلْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ تَلَقَّاهُمْ إِلَى عَذْرَاءَ تَحْتَ الثَّنِيَّةِ - ثَنِيَّةِ الْعُقَابِ - فَقُتِلُوا هُنَاكَ.

وَكَانَ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ وهم هدبة بن فياض القضاعي، وحضير بن عبد الله الكلابي، وأبو شريف البدوي فجاؤوا إليهم فَبَاتَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ يَصِلُونَ طُولَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ قَتَلُوهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُمْ فَقُتِلُوا بِعَذْرَاءَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قد استشار الناس فيهم حتى وصل بهم إلى برج عذراء فَمِنْ مُشِيرٍ بِقَتْلِهِمْ، وَمِنْ مُشِيرٍ بِتَفْرِيقِهِمْ فِي الْبِلَادِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ كِتَابًا آخَرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي مُلْكِ الْعِرَاقِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ الْأُمَرَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى اسْتَوْهَبُوا مِنْهُ سِتَّةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ سِتَّةً أَوَّلُهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَرَجَعَ آخَرُ فعفى

عَنْهُ مُعَاوِيَةُ، وَبَعَثَ بِآخَرَ نَالَ مِنْ عُثْمَانَ وزعم إنه أول من جار في الكلم وَمَدَحَ عَلِيًّا، فَبَعَثَ بِهِ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ وَقَالَ لَهُ: لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ فِيهِمْ أَرْدَى من هذا.

فلما وصل إلى زياد ألقاه في النَّاطِفِ حَيًّا - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ الفري.

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِعَذْرَاءَ: حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَشَرِيكُ بْنُ شَدَّادٍ، وَصَيْفِيُّ بْنُ فَسِيلٍ، وقبيصة بن ضبيعة، ومحرز بن شهاب المنقري، وكدام بن حيان.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ مَدْفُونُونَ بِمَسْجِدِ القصب في عرفة، والصحيح بعذراء، وَيُذْكَرُ أَنَّ حُجْرًا لَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَتَوَضَّأَ، فَقَالُوا: تَوَضَّأْ، فَقَالَ: دَعَونِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّاهُمَا وَخَفَّفَ فِيهِمَا، ثُمَّ قال: لولا أن يقولوا مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَطَوَّلْتُهُمَا.

ثُمَّ قَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ لَهُمَا صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ.

ثُمَّ قَدَّمُوهُ لِلْقَتْلِ وَقَدْ حُفِرَتْ قُبُورُهُمْ وَنُشِرَتْ أَكْفَانُهُمْ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ السَّيَّافُ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ فَقِيلَ له: إنك قلت لست بجازع، فقال: ومالي لَا أَجْزَعُ وَأَنَا أَرَى قَبْرًا مَحْفُورًا وَكَفَنًا مَنْشُورًا وَسَيْفًا مَشْهُورًا.

فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا.

ثُمَّ تَقَدَّمَ إليه السياف.

وهو أبو شريف البدوي، وقيل تقدم إليه رجل أعور فَقَالَ لَهُ: امْدُدْ عُنُقَكَ، فَقَالَ: لَا أُعِينُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِي، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ.

وَكَانَ قَدْ أوصى أن يدفن في قيوده، ففعل به ذلك، وقيل: بل صلوا عليه وغسلوه.

وَرَوَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ.

قَالَ: أَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ فِي قُيُودِهِ، قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: حجهم والله.

والظاهر أن الحسين قائل هذا، فإن حجراً قُتِلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ ثلاث وخمسين، وعلى كل تقدير فالحسن قد مات قبله والله أعلم.

فقتلوه رحمه الله وسامحه.

وَرُوِّينَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ - وذلك بعد مقتله حجراً وَأَصْحَابِهِ - قَالَتْ لَهُ: أَيْنَ ذَهَبَ عَنْكَ حِلْمُكَ يَا مُعَاوِيَةَ حِينَ قَتَلْتَ حُجراً وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ لَهَا: فَقَدْتُهُ حِينَ غَابَ عَنِّي مِنْ قَوْمِي مِثْلُكِ يَا أُمَّاهُ.

ثُمَّ قَالَ لَهَا: فَكَيْفَ برّي بك يا أمه؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015