لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ، لَقَدِ اخْتَلَفْنَا إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُخْتَلَفُ إِلَى الْفُقَهَاءِ، فبينا نَحْنُ عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ قَاعِدٌ بِفِنَائِهِ محتبٍ بكسائه أَتَتْهُ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ مَقْتُولٌ وَمَكْتُوفٌ فَقَالُوا: هَذَا ابْنُكَ قَتَلَهُ ابْنُ أَخِيكَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَّ حَبَوْتَهُ حتَّى فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ، ثُمَّ التفت إلى ابن له في المسجد فَقَالَ: أَطْلِقْ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ، وَوَارِ أَخَاكَ وَاحْمِلْ إِلَى أُمِّهِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا غريبةً، وَيُقَالُ إنَّه لمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَلَسَ حَوْلَهُ بَنُوهُ - وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ

ذَكَرًا - فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ سوِّدوا عَلَيْكُمْ أَكْبَرَكُمْ تَخْلُفُوا أَبَاكُمْ، وَلَا تسوِّدوا أَصْغَرَكُمْ فَيَزْدَرِي بِكُمْ أَكْفَاؤُكُمْ، وَعَلَيْكُمْ بالمال واصطناعه فإنه نعم ما يهبه الكريم، وَيُسْتَغْنَي بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِيَّاكُمْ وَمَسْأَلَةَ النَّاسِ فَإِنَّهَا مِنْ أَخَسِّ مَكْسَبَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنُوحُوا علي فإن رسول الله لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ (?) ، وَلَا تَدْفِنُونِي حَيْثُ يَشْعُرُ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أُعَادِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ: عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنَ عَاصِمٍ * وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا تَحِيَّةَ مَنْ أوليتهُ مِنْكَ مِنَّةً * إِذَا ذكرت مثلتها تَمْلَأُ الْفَمَا (?) فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ * وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ

فِيهَا شَتَّى أَبُو عَبْدِ الرحمن القتبي (?) بِالْمُسْلِمِينَ بِبِلَادِ أَنْطَاكِيَةَ، وَفِيهَا غَزَا عُقَبَةُ بْنُ عَامِرٍ بِأَهْلِ مِصْرَ الْبَحْرَ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ نَائِبُ الْمَدِينَةِ.

سنة تسع وأربعين

فِيهَا غَزَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِلَادَ الرُّومِ حتى بلغ قسطنطينية ومعه جماعات مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عبَّاس وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ " فَكَانَ هَذَا الْجَيْشُ أَوَّلَ مَنْ غَزَاهَا، وَمَا وَصَلُوا إِلَيْهَا حَتَّى بَلَغُوا الْجَهْدَ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقِيلَ لَمْ يَمُتْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ بَلْ بَعْدَهَا سَنَةَ إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ كَمَا سَيَأْتِي.

وفيها عزل معاوية مروان عَنِ الْمَدِينَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، فاستقضى سَعِيدٌ عَلَيْهَا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

وَفِيهَا شَتَّى مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْفَزَارِيُّ بِأَرْضِ الروم، وفيها كانت غزوة فضالة بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015