نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) وَقَدِ اسْتَعْمَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الرُّخْصَةَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَتَوَسَّعَ آخَرُونَ فِيهَا حَتَّى وَضَعُوا كِتَابَ الْحِيَلِ فِي الْخَلَاصِ مِنَ الْأَيْمَانِ وَصَدَّرُوهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَتَوْا فِيهِ بِأَشْيَاءَ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ * وَسَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا تُوُفِّيَ كَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ إِنَّهُ عَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَحْتَجُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَبِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ وَبِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّهُ أَوْصَى إِلَى وَلَدِهِ حَوْمَلَ وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ بِشْرُ بْنُ أَيُّوبَ وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ ذُو الْكِفْلِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَاتَ ابْنُهُ هَذَا وَكَانَ نَبِيًّا فِيمَا
يَزْعُمُونَ وَكَانَ عُمُرُهُ مِنَ السِّنِينَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ * وَلْنَذْكُرْ ههنا قِصَّةَ ذِي الْكِفْلِ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ ابْنُ أَيُّوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
قِصَّةُ ذِي الْكِفْلِ (?) الذي زعم قوم إنه ابن أيوب
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ أَيُّوبَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ.
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصالحين) [الانبياء: 85 - 86] وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضاً في سورة ص (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ واسحق وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ.
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ.
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ.
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الاخيار) [ص 45 - 48] فَالظَّاهِرُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَقْرُونًا مَعَ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ نَبِيٌّ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقَدْ زَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا عَادِلًا * وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَكَانَ قَدْ تكفل لبني قومه أن يكفيه امرهم ويقتضي بينهم بالعدل فسمى ذا الكفل.
وروى ان جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَبُرَ الْيَسَعُ قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَخْلَفْتُ رَجُلًا عَلَى النَّاسِ يَعْمَلُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِي حَتَّى أَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ، فَجَمَعَ النَّاس فَقَالَ: من يتقبل لي