قَالَ: وَفِيهَا فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ سَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فحاصر إيليا فَسَأَلُوا الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَقْدَمَ عُمَرُ فَيُصَالِحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ فَقَدِمَ حَتَّى صَالَحَهُمْ وَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وفي هذه السنة حمى عمر الربذة بخيل الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا غَرَّبَ عُمَرُ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ إِلَى بَاضِعٍ (?) ، وَفِيهَا تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ.

قُلْتُ: الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ الْجِسْرِ، وَكَانَ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ وَهِيَ أُخْتُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ أَمِيرِ الْعِرَاقِ فِيمَا بَعْدُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً، وَكَانَ أَخُوهَا فَاجِرًا وَكَافِرًا أَيْضًا.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا حَجَّ عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ.

قَالَ: وَكَانَ نَائِبَهُ عَلَى مَكَّةَ عَتَّابٌ، وَعَلَى الشَّامِ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَعَلَى الْعِرَاقِ سَعْدٌ، وَعَلَى الطَّائِفِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَعَلَى الْيَمَنِ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ، وَعَلَى الْيَمَامَةِ وَالْبَحْرَيْنِ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَعَلَى عُمان حُذَيْفَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعَلَى الْمَوْصِلِ رِبْعِيُّ بْنُ الْأَفْكَلِ، وَعَلَى الْجَزِيرَةِ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ - كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ التَّأْرِيخَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَهُ.

قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَهُ فِي سِيرَةِ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى عُمَرَ صَكٌّ مَكْتُوبٌ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ: أَيُّ شَعْبَانَ؟ أَمِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَمِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَمِ الَّتِي بَعْدَهَا؟ ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: ضَعُوا للناس شيئاً يعرفون فيه حُلُولَ دُيُونِهِمْ.

فَيُقَالُ

إِنَّهُمْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُؤَرِّخُوا كَمَا تُؤَرِّخُ الْفُرْسُ بِمُلُوكِهِمْ، كُلَّمَا هَلَكَ مَلِكٌ أَرَّخُوا مِنْ تَارِيخِ وِلَايَةِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ مِنْ زَمَانِ إِسْكَنْدَرَ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَلِطُولِهِ أَيْضًا.

وَقَالَ قَائِلُونَ: أَرِّخُوا مِنْ مَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ آخَرُونَ من مبعثه عليه السلام.

وَأَشَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخَرُونَ أَنْ يُؤَرَّخَ مِنْ هِجْرَتِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِظُهُورِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ أَظْهَرُ مِنَ الْمَوْلِدِ وَالْمَبْعَثِ.

فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُؤَرَّخَ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَّخُوا مِنْ أَوَّلِ تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ مُحَرَّمِهَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فيما حكاه عن السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَوَّلَ السَّنَةِ مِنْ رَبِيعٍ الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السَّنَةِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ الشُّهُورُ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ أَوَّلُ السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ - تُوُفِّيَتْ مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ في المحرم منها فيما ذكره الواقد وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِشُهُودِ جِنَازَتِهَا، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا، وَهِيَ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ، أَهْدَاهَا صَاحِبُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ - وَهُوَ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا - فِي جُمْلَةِ تُحَفٍ وَهَدَايَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ ذَلِكَ منه.

وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015