وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ يُوسُفَ بَاعَ أَهْلَ مِصْرَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ تَحْتَ يَدِهِ - بِأَمْوَالِهِمْ كُلِّهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعَقَارِ وَالْأَثَاثِ وَمَا يَمْلِكُونَهُ كُلَّهُ حَتَّى بَاعَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَصَارُوا أَرِقَّاءَ * ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ وَأَعْتَقَ رِقَابَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا وَيَكُونُ خُمْسُ مَا يَشْتَغِلُونَ مِنْ زَرْعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ لِلْمَلِكِ فَصَارَتْ سُنَّةَ أَهْلِ مِصْرَ بَعْدَهُ (?) .

وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْبَعُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ حَتَّى لَا يَنْسَى الْجِيعَانَ وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلَةً وَاحِدَةً نِصْفَ النَّهَارِ قَالَ فَمِنْ ثَمَّ اقْتَدَى به الملوك في ذلك * قلت وكان أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُشْبِعُ بَطْنَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ (?) حَتَّى ذهب الجدب وأتى الخصب.

وقال الشَّافِعِيُّ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ لِعُمَرَ بَعْدَ ما ذهب عام الرمادة لقد انجلت عند وَإِنَّكَ لَابْنُ حُرَّةٍ.

ثُمَّ لَمَّا رَأَى يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نِعْمَتَهُ قَدْ تَمَّتْ وَشَمْلَهُ قَدِ اجتمع عرف إن هذه الدار لا يقربها قرار وأن كل شئ فِيهَا وَمَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.

وَمَا بَعْدَ التَّمَامِ إِلَّا النُّقْصَانُ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى ربِّه بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَاعْتَرَفَ لَهُ بِعَظِيمِ إِحْسَانِهِ وفضله.

وسأل منه - وهو خير المسؤولين - أَنْ يَتَوَفَّاهُ أَي حِينَ يَتَوَفَّاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

وَأَنْ يُلْحِقَهُ بِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.

وَهَكَذَا كَمَا يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ " اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ " أَيْ حِينَ تَتَوَفَّانَا.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا سَأَلَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ أَنْ يَرْفَعَ رُوحَهُ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَالرُّفَقَاءِ الصَّالِحِينَ مِنَ النَّبيّين وَالْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ: " اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى " ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى (?) .

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ الْوَفَاةَ عَلَى الْإِسْلَامِ منجزاً في صحة بدنه وسلامته وأنَّ ذَلِكَ كَانَ سَائِغًا فِي مِلَّتِهِمْ وَشِرْعَتِهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَمَنَّى نَبِيٌّ قَطُّ الْمَوْتَ قَبْلَ يُوسُفَ.

فَأَمَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَقَدْ نُهِيَ عَنِ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ إِلَّا عِنْدَ الْفِتَنِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ: " وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ " (?) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " ابْنَ آدَمَ، الْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْفِتْنَةِ " وَقَالَتْ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً

مَنْسِيّاً) [مَرْيَمَ: 23] وَتَمَنَّى الْمَوْتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا تَفَاقَمَتِ الْأُمُورُ وَعَظُمَتِ الْفِتَنُ وَاشْتَدَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015