فِي سِتِّينَ أَلْفًا، فَصَلَّى سَعْدٌ بِالنَّاسِ الظَّهْرَ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَوَعَظَهُمْ وَحَثَّهُمْ وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى * (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) * [الأنبياء: 105] وَقَرَأَ الْقُرَّاءُ آيَاتِ الْجِهَادِ وَسُوَرَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ سَعْدٌ أَرْبَعًا ثُمَّ حَمَلُوا بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَاقْتَتَلُوا حَتَّى كَانَ اللَّيْلُ فَتَحَاجَزُوا، وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بشرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ أَصْبَحُوا إِلَى مَوَاقِفِهِمْ فَاقْتَتَلُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ وَعَامَّةَ لَيْلَتِهِمْ، ثُمَّ أَصْبَحُوا كَمَا أَمْسَوْا عَلَى مَوَاقِفِهِمْ، فَاقْتَتَلُوا حَتَّى أَمْسَوْا ثُمَّ اقْتَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ وَأَمْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ تُسَمَّى لَيْلَةَ الْهَرِيرِ (?) ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ قَاسَوْا مِنَ الْفِيَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُيُولِ الْعَرَبِيَّةِ بِسَبَبِ نُفْرَتِهَا مِنْهَا أَمْرًا بَلِيغًا، وَقَدْ أَبَادَ الصَّحَابَةُ الْفِيَلَةَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَقَلَعُوا عُيُونَهَا، وَأَبْلَى جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّجْعَانِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، وَالْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، وَضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، وَأَشْكَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ وَيُسَمَّى يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَكَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ (?) مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَمَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ، هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَرَفَعَتْ خِيَامَ الْفُرْسِ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَأَلْقَتْ سَرِيرَ رُسْتُمَ الَّذِي هُوَ مَنْصُوبٌ لَهُ، فَبَادَرَ فَرَكِبَ بِغَلَّتِهِ وَهَرَبَ فَأَدْرَكَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُ (?) وَقَتَلُوا الجالينوس (?) مقدم الطلائع القادسية، وَانْهَزَمَتِ الْفُرْسُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَلَحِقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَقْفَائِهِمْ فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ الْمُسَلْسَلُونَ بِكَمَالِهِمْ وَكَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَقَتَلُوا قَبْلَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ.
وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَمَا قَبْلَهِ مِنَ الْأَيَّامِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ (?) رحمهم الله.
وساق المسلمون خلف الْمُنْهَزِمِينَ حَتَّى دَخَلُوا وَرَاءَهُمْ مَدِينَةَ الْمَلِكِ وَهِيَ الْمَدَائِنُ الَّتِي فِيهَا الْإِيوَانُ الْكِسْرَوِيُّ، وَقَدْ أَذِنَ لِمَنْ ذَكَرَنَا عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا.
وَقَدْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَقْعَةِ الْقَادِسِيَّةِ هذه من الاموال
والسلاح مالا يُحَدُّ وَلَا يُوَصَفُ كَثْرَةً، فَحُصِّلَتِ الْغَنَائِمُ بَعْدَ صرف الأسلاب وخمست وبعث