يَتَوَسَّمُهُ، وَلِمَا سَمِعَ مِنْهُمْ، وَلِمَا عِنْدَهُ مِنْ عَلَمِ النُّجُومِ الَّذِي يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ فِي نَفْسِهِ لِمَا لَهُ مِنَ الْمُمَارَسَةِ لِهَذَا الْفَنِّ.
وَلَمَّا دَنَا جَيْشُ رُسْتُمَ مِنْ سَعْدٍ أَحَبَّ سَعْدٌ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِهِمْ عَلَى الْجَلِيَّةِ، فَبَعَثَ رجلاً سَرِيَّةً لِتَأْتِيَهُ بِرَجُلٍ مِنَ الْفُرْسِ وَكَانَ فِي السَرِيَّةِ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ الَّذِي كَانَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ ثُمَّ تَابَ.
وَتَقَدَّمَ الْحَارِثُ مَعَ أَصْحَابِهِ حَتَّى رَجَعُوا.
فَلَمَّا بَعَثَ سَعْدٌ السَّرِيَّةَ اخْتَرَقَ طُلَيْحَةُ الْجُيُوشَ وَالصُّفُوفَ، وَتَخَطَّى الْأُلُوفَ، وَقَتَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَبْطَالِ حَتَّى أَسَرَ أَحَدَهُمْ وَجَاءَ بِهِ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَسَأَلَهُ سَعْدٌ عَنِ الْقَوْمِ فَجَعَلَ يَصِفُ شَجَاعَةَ طُلَيْحَةَ، فَقَالَ دَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَخْبِرْنَا عَنْ رُسْتُمَ، فَقَالَ: هُوَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَيَتْبَعُهَا مِثْلُهَا.
وَأَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ فَوْرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ سَيْفٌ عَنْ شُيُوخِهِ: وَلَمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ بَعَثَ رُسْتُمُ إِلَى سَعْدٍ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِمَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ رُسْتُمُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكُمْ جِيرَانُنَا وَكُنَّا نُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَنَكُفُّ الْأَذَى عَنْكُمْ، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم مِنَ الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِنَا.
فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: إِنَّا لَيْسَ طَلَبُنَا الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَمُّنَا وَطَلَبُنَا الْآخِرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ سَلَّطْتُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَدِنْ بِدِينِي فَأَنَا مُنْتَقِمٌ بِهِمْ مِنْهُمْ، وَأَجْعَلُ لَهُمُ الْغَلَبَةَ مَا دَامُوا مُقِرِّينَ بِهِ، وَهُوَ دِينُ الْحَقِّ، لَا يَرْغَبُ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ، وَلَا يَعْتَصِمُ بِهِ إِلَّا عَزَّ.
فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ أما عموده الذي لا يصلح شئ مِنْهُ إِلَّا بِهِ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَالَ مَا أحسن هذا؟ ! وأي شئ أَيْضًا؟ قَالَ وَإِخْرَاجُ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ.
قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا
وَأَيُّ شئ أيضاً؟ قال: والناس بنو آدم [وحواء] (?) ، فَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، قَالَ وَحَسَنٌ أَيْضًا.
ثُمَّ قَالَ رُسْتُمُ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلْنَا فِي دِينِكُمْ أَتَرْجِعُونَ عَنْ بِلَادِنَا؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ ثُمَّ لَا نَقْرَبُ بِلَادَكُمْ إِلَّا فِي تِجَارَةٍ أَوْ حَاجَةٍ.
قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا.
قَالَ: وَلَمَّا خَرَجَ الْمُغِيرَةُ مِنْ عِنْدِهِ ذَاكَرَ رُسْتُمُ رُؤَسَاءَ قومه في الإسلام فانفوا ذَلِكَ وَأَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُمْ وَقَدْ فَعَلَ.
قَالُوا: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ سَعْدٌ رَسُولًا آخَرَ بِطَلَبِهِ وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ، وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وبيضته عَلَى رَأْسِهِ.
فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلَاحَكَ.
فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ، وَإِنَّمَا جِئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلَّا رَجَعْتُ.
فَقَالَ رُسْتُمُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ فَخَرَّقَ عَامَّتَهَا، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضيق الدنيا إلى