عُبَيْدَةَ يَنْتَظِرُ كِتَابَ عُمَرَ فِيمَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ أَمْرِ دِمَشْقَ، فَجَاءَهُ الْكِتَابُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا، فَسَارُوا إِلَيْهَا حَتَّى أَحَاطُوا بِهَا.
وَاسْتَخْلَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْيَرْمُوكِ بَشِيرَ بْنَ كَعْبٍ (?) فِي خيل هناك.
وقعة جرت بالعراق بعد مجئ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ اجْتَمَعُوا بَعْدَ مَقْتَلِ مَلِكِهِمْ وَابْنِهِ عَلَى تَمْلِيكِ شهريار (?) بن أزدشير بْنِ شَهْرِيَارَ وَاسْتَغْنَمُوا غَيْبَةَ خَالِدٍ عَنْهُمْ فَبَعَثُوا إِلَى نَائِبِهِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ جَيْشًا كَثِيفًا نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ عَلَيْهِمْ هُرْمُزُ بْنُ حادويه (?) ، وَكَتَبَ شَهْرِيَارُ إِلَى الْمُثَنَّى: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا مِنْ وَحْشِ أَهْلِ فَارِسَ إِنَّمَا هُمْ رُعَاةُ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلَّا بِهِمْ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُثَنَّى: مِنَ الْمُثَنَّى إِلَى شَهْرِيَارَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا بَاغٍ لذلك شَرٌّ لَكَ وَخَيْرٌ لَنَا، وَإِمَّا كَاذِبٌ فَأَعْظَمُ الْكَاذِبِينَ عُقُوبَةً وَفَضِيحَةً عِنْدَ اللَّهِ فِي النَّاسِ الْمُلُوكُ، وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّنَا عَلَيْهِ الرَّأْيُ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِمْ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَكُمْ إِلَى رُعَاةِ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ.
قَالَ: فَجَزِعَ أَهْلُ فَارِسَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَامُوا شَهْرِيَارَ عَلَى كِتَابِهِ إِلَيْهِ وَاسْتَهْجَنُوا رَأْيَهُ.
وَسَارَ الْمُثَنَّى مِنَ الْحَرَّةِ إِلَى بَابِلَ، وَلَمَّا الْتَقَى الْمُثَنَّى وَجَيْشَهُمْ بِمَكَانٍ عِنْدَ عُدْوَةِ الصَّرَاةِ الْأُولَى (?) ، اقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا جِدًّا، وَأَرْسَلَ الْفُرْسُ فِيلًا بَيْنَ صُفُوفِ الْخَيْلِ لِيُفَرِّقَ خُيُولَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَقَتَلَهُ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ فَحَمَلُوا، فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْفُرْسِ فَقَتَلُوهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَغَنِمُوا مِنْهُمْ مَالًا عَظِيمًا، وَفَّرَتِ الْفُرْسُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَدَائِنِ فِي شَرِّ حَالَةٍ، وَوَجَدُوا الْمَلِكَ قَدْ مَاتَ فَمَلَّكُوا عَلَيْهِمُ ابْنَةَ
كِسْرَى " بُورَانَ بِنْتَ أَبَرْوِيزَ (?) " فَأَقَامَتِ العدل، وأحسنت السيرة، فأقامت سنة وسبع شُهُورٍ، ثُمَّ مَاتَتْ، فَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ أُخْتَهَا " آزَرْمِيدُخْتَ زَنَانَ " فَلَمْ يَنْتَظِمْ لَهُمْ أَمْرٌ، فَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ " سَابُورَ بْنَ شَهْرِيَارَ "، وَجَعَلُوا أَمْرَهُ إِلَى الْفَرُّخْزَاذِ بْنِ الْبِنْدَوَانِ فَزَوَّجَهُ سَابُورُ بِابْنَةِ كِسْرَى " آزَرْمِيدُخْتَ " فَكَرِهَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ: إِنَّمَا هَذَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِنَا.
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ عُرْسِهَا عَلَيْهِ هَمُّوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى سَابُورَ فَقَتَلُوهُ أَيْضًا، وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَهِيَ " آزَرْمِيدُخْتُ " ابْنَةُ كِسْرَى.
وَلَعِبَتْ فَارِسُ بِمُلْكِهَا لَعِبًا كَثِيرًا، وَآخِرُ مَا اسْتَقَرَّ أَمْرُهُمْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنْ مَلَّكُوا امْرَأَةً وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ".
وَفِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَقُولُ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ السَّعْدِيُّ، وَكَانَ قَدْ هَاجَرَ لِمُهَاجَرَةِ حَلِيلَةٍ لَهُ حَتَّى شَهِدَ وَقْعَةَ بَابِلَ هَذِهِ، فَلَمَّا آيَسَتْهُ رَجَعَ إلى البادية وقال: