حِمْلَ بِعِيرٍ لَا يَزِيدُهُ عَلَيْهِ (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) وَكَانَ قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ وَكَمْ هُمْ فَقَالُوا كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَذَهَبَ مِنَّا وَاحِدٌ وَبَقِيَ شَقِيقُهُ عِنْدَ أَبِينَا فَقَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأْتُونِي بِهِ مَعَكُمْ (أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أوف الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أَيْ قَدْ أَحْسَنْتُ نُزُلَكُمْ وَقِرَاكُمْ فَرَغَّبَهُمْ لِيَأْتُوهُ بِهِ ثُمَّ رَهَّبَهُمْ إِنْ لَمْ يَأْتُوهُ بِهِ قال: (فَإِنْ لَمْ تأتون بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ) أَيْ فَلَسْتُ أُعْطِيكُمْ مِيرَةً وَلَا أَقْرَبُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ عَكْسُ مَا أَسْدَى إِلَيْهِمْ أَوَّلًا فَاجْتَهَدَ فِي إِحْضَارِهِ مَعَهُمْ لِيَبُلَّ شَوْقَهُ مِنْهُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ (قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) أَيْ سَنَجْتَهِدُ فِي مَجِيئِهِ مَعَنَا وَإِتْيَانِهِ إِلَيْكَ بكل ممكن (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) أَيْ وَإِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى تَحْصِيلِهِ.

ثُمَّ أَمَرَ فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاؤا بِهِ يَتَعَوَّضُونَ بِهِ عَنِ الْمِيرَةِ فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قِيلَ أَرَادَ أَنْ يَرُدُّوهَا إِذَا وَجَدُوهَا فِي بِلَادِهِمْ.

وَقِيلَ خَشِيَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمْ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً.

وَقِيلَ تَذَمَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ عِوَضًا عَنِ الْمِيرَةِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي بِضَاعَتِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا * وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهَا كَانَتْ صُرَرًا مِنْ وَرِقٍ وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ.

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ.

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تؤتوني مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ.

فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ.

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شئ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ.

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شئ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يعلمون) [يُوسُفَ: 63 - 68] .

يَذْكُرُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى أَبِيهِمْ * وَقَوْلِهِمْ لَهُ (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أَيْ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا إِنْ لَمْ تُرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا فَإِنْ أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا لَمْ يُمْنَعْ مِنَّا (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إليهم قالوا يا أبانا مَا نَبْغِي) أي أي شئ نُرِيدُ وَقَدْ رُدَّتْ إِلَيْنَا بِضَاعَتُنَا (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا) أَيْ نَمْتَارُ لَهُمْ وَنَأْتِيهِمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ فِي سنتهم ومحلهم (وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ) بِسَبَبِهِ (كَيْلَ بَعِيرٍ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أَيْ فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ وَلَدِهِ الْآخَرِ وَكَانَ يعقوب عليه السلام أضن شئ بِوَلَدِهِ بِنْيَامِينَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُمُّ فِيهِ رَائِحَةَ أَخِيهِ وَيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ وَيَتَعَوَّضُ بِسَبَبِهِ مِنْهُ فَلِهَذَا قَالَ (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لتأتتني به إلا أن يُحَاطَ بِكُمْ) أَيْ إِلَّا أَنْ تُغْلَبُوا كُلُّكُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهِ (?) (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى ما تقول وَكِيلٌ) أكَّد المواثيق وقرر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015