الحضرميّ في قسم الغنيمة ونقل الأثقال وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى دَارِينَ
لِنَغْزُوَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، فأجابوا إلى ذلك سريعاً، فاسر بِهِمْ حَتَّى أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ لِيَرْكَبُوا فِي السُّفن، فَرَأَى أنَّ الشَّقة بَعِيدَةٌ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ فِي السُّفن حَتَّى يَذْهَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحمين، يا حكيم يَا كَرِيمُ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا حيي يا محي، يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا.
وَأَمَرَ الْجَيْشَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَيَقْتَحِمُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَجَازَ بِهِمُ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ دَمِثَةٍ (?) فَوْقَهَا مَاءٌ لَا يَغْمُرُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى رُكَبِ الْخَيْلِ، وَمَسِيرَتُهُ للسُّفن يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَطَعَهُ إِلَى السَّاحل الْآخَرِ فَقَاتَلَ عدوَّه وَقَهَرَهُمْ وَاحْتَازَ غَنَائِمَهُمْ ثمَّ رَجَعَ فَقَطَعَهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَعَادَ إِلَى مَوْضِعِهِ الأوَّل، وَذَلِكَ كلَّه فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنَ العدوِّ مُخْبِرًا، وَاسْتَاقَ الذَّراري وَالْأَنْعَامَ وَالْأَمْوَالَ، وَلَمْ يَفْقِدِ الْمُسْلِمُونَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا سوى عليقة فرس لرجل من الملسمين وَمَعَ هَذَا رَجَعَ الْعَلَاءُ فَجَاءَهُ بِهَا، ثمَّ قسَّم غَنَائِمَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَأَصَابَ الْفَارِسُ أَلْفَيْنِ والرَّاجل أَلْفًا (?) ، مَعَ كَثْرَةِ الْجَيْشِ، وَكَتَبَ إِلَى الصِّديق فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ الصِّديق يَشْكُرُهُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ: ألمْ تَرَ أنَّ اللهَ ذَلَّلَ بحرهُ * وأَنْزَلَ بالكفَّارِ إحدى الجَلائِلِ دَعَونَا إلى شَقِّ البِحارِ فَجاءنَا * بأَعجبِ مِنْ فلقِ البِحارِ الأوائلِ وَقَدْ ذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أنَّه كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ وَالْمَشَاهِدِ الَّتِي رَأَوْهَا مِنْ أَمْرِ الْعَلَاءِ، وَمَا أَجْرَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ رَاهِبٌ فَأَسْلَمَ حِينَئِذٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا دَعَاكَ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: خَشِيتُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَنْ يَمْسَخَنِي اللَّهُ (?) ، لِمَا شَاهَدْتُ مِنَ الْآيَاتِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ فِي الْهَوَاءِ وَقْتَ السَّحر دُعَاءً، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: اللَّهم أَنْتَ الرَّحمن الرَّحيم، لَا إِلَهَ غيرك والبديع ليس قبلك شئ، والدَّائم غير الغافل، والذي لَا يَمُوتُ (?) ، وَخَالِقُ مَا يُرى وَمَا لَا يُرى، وَكُلَّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ، وَعَلِمْتَ اللهم كل شئ عِلْمًا، قَالَ: فَعَلِمْتُ أنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعَانُوا بِالْمَلَائِكَةِ إِلَّا وَهُمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ: فحسن إسلامه وكان الصَّحابة يسمعون منه.