فلمَّا تفرَّقنا كأنِّي وَمالكاً * لطولِ اجْتِمَاع لَمْ نبتْ ليلةٍ معا وقال أيضا: لقَد لامَني عِنْدَ العُبورِ عَلى البُكَى * رَفْيقِي لتذرَافِ الدُّموعِ السَّوافِكِ وَقَالَ أتَبْكِي كلَّ قبرٍ رأيتَهُ * لقَبرٌ ثَوى بَيْنَ اللِّوى فَالدكَادِكِ فقلتُ لهُ إنَّ الأسَى يبعثُ الأسَى * فدَعْني فَهَذَا كلَّه قبرُ مَالِكِ وَالْمَقْصُودُ أنَّه لَمْ يَزَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يحرِّض الصِّديق ويذمِّره عَلَى عَزْلِ خَالِدٍ عَنِ الإمرة ويقول: إنَّ في سيفه لرهقاً، حتَّى بَعَثَ الصِّديق إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فقدم عليه المدينة، وقد لبس درعه التي من حديد، وقد صَدِئَ مِنْ كَثْرَةِ الدِّماء، وَغَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ الَّنشاب المضمَّخ بالدِّماء، فلمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الخطَّاب فَانْتَزَعَ الْأَسْهُمَ مِنْ عِمَامَةَ خَالِدٍ فحطَّمها، وَقَالَ: أَرِيَاءً قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِمًا ثمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَاللَّهِ لارجمنَّك بالجنادل (?) .

وَخَالِدٌ لَا يكلِّمه، وَلَا يظنَّ إِلَّا أنَّ رَأْيَ الصِّديق فِيهِ كَرَأْيِ عُمَرَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَعَذَرَهُ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَوَدَى مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَعُمَرُ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ خَالِدٌ: هلمَّ إليَّ يَا ابْنَ أُمِّ شَمْلَةَ (?) ، فَلَمْ يردَّ عَلَيْهِ وَعَرَفَ أنَّ الصِّديق قَدْ رَضِيَ عَنْهُ، واستمرَّ أَبُو بَكْرٍ بِخَالِدٍ عَلَى الْإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اجْتَهَدَ فِي قَتْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَأَخْطَأَ فِي قَتْلِهِ، كَمَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى أبي جَذِيمَةَ فَقَتَلَ أُولَئِكَ الْأُسَارَى الَّذِينَ قَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَوَدَّاهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رد إليهم مليغة الْكَلْبِ، وَرَفْعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يعزل خالد على الإمرة.

مقتل مسيلمة الكذَّاب لعنه الله

لمَّا رَضِيَ الصِّديق عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَذَرَهُ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ، بَعَثَهُ (?) إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ بِالْيَمَامَةِ: وَأَوْعَبَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَعَلَى الْأَنْصَارِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَسَارَ لَا يمرُّ بأحدٍ مِنَ المرتدِّين إِلَّا نكَّل بِهِمْ، وَقَدِ اجْتَازَ بِخُيُولٍ لِأَصْحَابِ سَجَاحِ فشرَّدهم وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَرْدَفَ الصِّديق خالداً بسرية لتكن رِدْءًا لَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَدْ كَانَ بَعَثَ قَبْلَهُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهِلٍ، وشرحبيل بن حَسَنَةَ، فَلَمْ يُقَاوِمَا بَنِي حَنِيفَةَ، لأنَّهم فِي نحو أربعين ألفاً من المقاتلة، فجعل عكرمة قبل مجئ صَاحِبِهِ شُرَحْبِيلَ، فَنَاجَزَهُمْ فَنُكِبَ، فَانْتَظَرَ خَالِدًا، فَلَمَّا سمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015