وَعُدْوَانًا وَزُورًا وَبُهْتَانًا.
وَقَوْلُهُ (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) قِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ أَيْ إِنَّمَا طَلَبْتُ تَحْقِيقَ هَذَا لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ.
وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ زَلِيخَا أَيْ إِنَّمَا اعْتَرَفْتُ بِهَذَا لِيَعْلَمَ زَوْجِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وإنما كان مراده لَمْ يَقَعْ مَعَهَا فِعْلُ فَاحِشَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي نَصَرَهُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَحْكِ
ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سِوَى الْأَوَّلِ.
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) قِيلَ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ زَلِيخَا وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَكَوْنُهُ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ زَلِيخَا أَظْهَرُ وَأَنْسَبُ وَأَقْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ.
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف: 54 - 57] .
لما ظهر للملك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه (قال ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أَيْ أَجْعَلْهُ مِنْ خَاصَّتِي وَمِنْ أَكَابِرِ دَوْلَتِي وَمِنْ أَعْيَانِ حَاشِيَتِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ وَسَمِعَ مَقَالَهُ وَتَبَيَّنَ حَالَهُ (قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) أَيْ ذُو مَكَانَةٍ وَأَمَانَةٍ (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) طَلَبَ أَنْ يُوَلِّيَهُ النَّظَرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَهْرَاءِ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ حُصُولِ الْخَلَلِ فِيمَا (?) بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِ سِنِيِّ الْخِصْبِ لِيَنْظُرَ فِيهَا بِمَا يُرْضِي اللَّهَ فِي خَلْقِهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لَهُمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ أَنَّهُ حَفِيظٌ أَيْ قَوِيٌّ عَلَى حِفْظِ مَا لَدَيْهِ أَمِينٌ عَلَيْهِ عَلِيمٌ بِضَبْطِ الْأَشْيَاءِ وَمَصَالِحِ الْأَهْرَاءِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ طَلَبِ الْوِلَايَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَالْكَفَاءَةَ * وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِرْعَوْنَ عظَّم يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جِدًّا وسلَّطه عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ وَأَلْبَسَهُ خَاتَمَهُ وَأَلْبَسَهُ الْحَرِيرَ وَطَوَّقَهُ الذَّهَبَ وَحَمَلَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ الثاني ونودي بين يديه أنت رب وَمُسَلَّطٌ وَقَالَ لَهُ لَسْتُ أَعْظَمَ مِنْكَ إِلَّا بِالْكُرْسِيِّ.
قَالُوا وَكَانَ يُوسُفُ إِذْ ذَاكَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَزَوْجُهُ امْرَأَةً عَظِيمَةَ الشَّأْنِ.
وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّهُ عَزَلَ قِطْفِيرَ عَنْ وَظِيفَتِهِ وَوَلَّاهَا يُوسُفَ.
وَقِيلَ (?) أنَّه لَمَّا مَاتَ زوَّجه امْرَأَتَهُ زَلِيخَا فَوَجَدَهَا عَذْرَاءَ لِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فَوَلَدَتْ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلَيْنِ وهما أفرايم وَمَنْشَا قَالَ وَاسْتَوْثَقَ لِيُوسُفَ مُلْكُ مِصْرَ وَعَمِلَ فِيهِمْ بِالْعَدْلِ فَأَحَبَّهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
وَحُكِيَ أَنَّ يُوسُفَ كَانَ يَوْمَ دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ عُمُرُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَنَّ الْمَلِكَ خَاطَبَهُ بِسَبْعِينَ لُغَةً وكل (?) ذلك يجاويه بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْهَا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ) أَيْ بَعْدَ السَّجْنِ وَالضِّيقِ وَالْحَصْرِ صَارَ مُطْلَقَ