الْقُرَى غَيْرِي لَأَنْفَذْتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ، لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب قاطبة (?) وأشرأبَّت النِّفاق، والله لقد نزل بي مَا لَوْ نَزَلَ بالجِّبال الرَّاسيات لَهَاضَهَا، وَصَارَ أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه سلم كأنَّهم معزى مطيَّرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة، فو الله مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بخطلها وعنانها وفصلها، ثمَّ ذَكَرَتْ عُمَرَ فَقَالَتْ: مَنْ رَأَى عُمَرَ عَلِمَ أنَّه خُلِقَ غِنًى لِلْإِسْلَامِ، كَانَ وَاللَّهِ أحوذيا نَسِيجَ وَحْدِهِ قَدْ أعدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا * وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنَّا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمُونِيُّ، ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، ثَنَا عبَّاد بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْلَا أنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتُخْلِفَ مَا عُبِدَ اللَّهُ، ثمَّ قَالَ الثَّانية، ثمَّ قَالَ الثَّالثة، فَقِيلَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وجَّه أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ إِلَى الشَّام، فلمَّا نَزَلَ بِذِي خَشَبٍ قُبض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدَّت الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ ردَّ هَؤُلَاءِ، توجَّه هَؤُلَاءِ إِلَى الرُّومِ وَقَدِ ارتدَّت الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَوْ جَرَّتِ الْكِلَابُ بِأَرْجُلِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَا رددت جيشاً وجَّهه رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا حللت لواء عقده رسول الله.
فوجَّه أُسَامَةَ، فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَبِيلٍ يُرِيدُونَ الِارْتِدَادَ إِلَّا قَالُوا: لَوْلَا أنَّ لِهَؤُلَاءِ قُوَّةً مَا خَرَجَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَلَكِنْ نَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا الرُّوم، فَلَقُوا الرُّوم فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، وَرَجَعُوا سَالِمِينَ، فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ - عبَّاد بن كثير هذا أظنه البرمكي - لِرِوَايَةِ الْفِرْيَابِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْحَدِيثِ، فأمَّا الْبَصْرِيُّ الثَّقفيّ فَمَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ
وَأَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أنَّ أَبَا بَكْرٍ لمَّا صمَّم عَلَى تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ لِعُمَرَ: قُلْ لَهُ فليؤمِّر عَلَيْنَا غَيْرَ أُسَامَةَ، فَذَكَرَ لَهُ عُمَرُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: أنَّه أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أمَّك يا ابن الخطَّاب، أؤمِّر غَيْرَ أَمِيرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم؟ ثمَّ نَهَضَ بِنَفْسِهِ إِلَى الجُّرف فَاسْتَعْرَضَ جَيْشَ أُسَامَةَ وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ، وَسَارَ مَعَهُمْ مَاشِيًا، وَأُسَامَةُ رَاكِبًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُودُ بِرَاحِلَةِ الصِّديق، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وإمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ: وَاللَّهَ لَسْتَ بِنَازِلٍ وَلَسْتُ بِرَاكِبٍ، ثمَّ اسْتَطْلَقَ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسَامَةَ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب - وَكَانَ مُكْتَتَبًا فِي جَيْشِهِ - فَأَطْلَقَهُ لَهُ، فَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ لَا يَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا قال: السَّلام عليك أيها الامير.