مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ.
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كنتم فاعلين) [يوسف: - 10] .
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم والدلالات والمواعظ والبينات.
ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم وهم عصبة أي جماعة يقولون فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أَيْ بِتَقْدِيمِهِ حُبَّهُمَا عَلَيْنَا * ثُمَّ اشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي قَتْلِ يُوسُفَ أَوْ إِبْعَادِهِ إِلَى أَرْضٍ لَا يَرْجِعُ مِنْهَا لِيَخْلُوَ لَهُمْ وَجْهُ أبيهم أَيْ لِتَتَمَحَّضَ (?) مَحَبَّتُهُ لَهُمْ وَتَتَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ وَأَضْمَرُوا التوبة بعد ذلك.
فلما تمالؤا عَلَى ذَلِكَ وَتَوَافَقُوا عَلَيْهِ (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ) قَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ شَمْعُونُ * وَقَالَ السُّدِّيُّ هُوَ يهودا * وقال قتادة ومحمد بن إسحق هُوَ أَكْبَرُهُمْ رُوبِيلُ (لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أَيِ
الْمَارَّةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ (إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) مَا تَقُولُونَ لَا مَحَالَةَ فَلْيَكُنْ هَذَا الَّذِي أَقُولُ لَكُمْ فَهُوَ أَقْرَبُ حَالًا مِنْ قَتْلِهِ أَوْ نَفْيِهِ وَتَغْرِيبِهِ فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى هَذَا فعند ذلك (قالوا يا أبانا مالك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ.
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لخاسرون) [يُوسُفَ: 11 - 14] طَلَبُوا مِنْ أَبِيهِمْ أَنْ يُرْسِلُ مَعَهُمْ أَخَاهُمْ يُوسُفَ وَأَظْهَرُوا لَهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرْعَى مَعَهُمْ وَأَنْ يَلْعَبَ وَيَنْبَسِطَ وَقَدْ أَضْمَرُوا لَهُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ فَأَجَابَهُمُ الشَّيْخُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلاة والتَّسليم.
يَا بَنِيَّ يَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ أُفَارِقَهُ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ وَمَعَ هَذَا أَخْشَى أَنْ تَشْتَغِلُوا فِي لَعِبِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ فَيَأْتِيَ الذِّئْبُ فَيَأْكُلَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَغَفْلَتِكُمْ عَنْهُ.
(قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إنا إذا لخاسرون) أَيْ لَئِنْ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَكَلَهُ مِنْ بَيْنِنَا أَوِ اشْتَغَلْنَا عَنْهُ حَتَّى وَقَعَ هَذَا ونحن جماعة إنا إذا لخاسرون أَيْ عَاجِزُونَ هَالِكُونَ.
وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ وَرَاءَهُمْ يَتْبَعُهُمْ فَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى أَرْشَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِمْ.
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ غَلَطِهِمْ وَخَطَئِهِمْ فِي التَّعْرِيبِ فَإِنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَحْرَصَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَبْعَثَهُ مَعَهُمْ فَكَيْفَ يَبْعَثُهُ وَحْدَهُ (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ في غيابت (?) الجب وأوحينا إليه لننبئنهم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وجاؤا أباهم عشاء يبكون قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين.
وجاؤا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يُوسُفَ: 15 - 18] لَمْ يَزَالُوا بِأَبِيهِمْ حَتَّى بَعَثَهُ مَعَهُمْ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ غَابُوا عَنْ عَيْنَيْهِ فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال