لِيَسْأَلَنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ! فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا (?) .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ، وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهري بِهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ: فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وَلِيتُهَا فَعَمِلْتُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ.

ثُمَّ جِئْتُمَانِي فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا لِتَعْمَلَا فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمِلْتُ فِيهَا أَنَا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

ثُمَّ قَالَ لَهُمَا.

أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ! لَا وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ أَعَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ " قَالُوا نَعَمْ! عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.

قُلْتُ: وكل الَّذِي سَأَلَاهُ - بَعْدَ تَفْوِيضِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ - هُوَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا النَّظَرَ فَيَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بالأرض لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ وَارِثًا، وَكَأَنَّهُمَا قَدَّمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ شَدِيدَةٌ بِسَبَبِ إِشَاعَةِ النَّظَرِ بينهما، فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهم: يا أمير المؤمنين إقض بينهما، أو أرح أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ.

فَكَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تحرَّج مِنْ قِسْمَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُشْبِهُ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ وَلَوْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهرة مُحَافَظَةً عَلَى امْتِثَالِ قَوْلِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَأَبَى مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا والعبَّاس اسْتَمَرَّا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ يَنْظُرَانِ فِيهَا جَمِيعًا إِلَى زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ وَتَرَكَهَا لَهُ العبَّاس بِإِشَارَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

فَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِي الْعَلَوِيِّينَ.

وَقَدْ تَقَصَّيْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ فِي مُسْنَدَيِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمَا، فَإِنَّى وَلِلَّهِ الْحَمْدُ جَمَعْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجَلَّدًا ضَخْمًا ما رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَآهُ مِنَ الْفِقْهِ النَّافِعِ الصَّحِيحِ، وَرَتَّبْتُهُ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا الْيَوْمَ.

وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا احْتَجَّتْ أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ وَبِالْعُمُومِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَأَجَابَهَا الصِّدِّيقُ بِالنَّصِّ عَلَى الْخُصُوصِ بِالْمَنْعِ فِي حَقِّ النَّبيّ، وَأَنَّهَا سَلَّمَتْ لَهُ مَا قَالَ.

وَهَذَا هُوَ المظنون بها رضي الله عنها.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مُتَّ؟ قَالَ وَلَدِي وَأَهْلِي، قَالَتْ: فَمَا لَنَا لَا نَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: سمعت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015