سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ الْجَوَابَ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ - يَعْنِي من المدينة - إلى حجة الوداع ويتعين بما ذكرناه أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ بِلَا شَكٍّ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
فتعيَّن أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةُ وَحُسِبَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ يَكُونُ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمُ
الْخَمِيسِ فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ (?) وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ (?) ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وتوفَّاه اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عروة عن الزُّهري عن أنس، وعن قرة بن رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثُ قُرَّةَ عَنِ الزُّهري غَرِيبٌ.
وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ فَرَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَذَلِكَ ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْبَرْبَرِيِّ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ بِهِ قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ سِتُّونَ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمِسْعَرٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ قال: قلت لأنس بن مالك: ابن أَيِّ الرِّجَالِ [كَانَ] رَسولُ اللهِ إذْ بُعِثَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
قَالَ ثُمَّ كَانَ مَاذَا؟ قَالَ كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ