اللَّذَيْنِ قَدِمَا مِنْ نَائِبِ الْيَمَنِ بَاذَامَ، فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ بِوَفْقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَشَاعَ فِي الْبِلَادِ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَوَّلَ مَنْ سَمِعَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فَأَخْبَرَهُ بِوَفْقِ إِخْبَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَكَذَا بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الزُّهري: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّه بَلَغَهُ أنَّ كِسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ بُعِثَ لَهُ - أَوْ قُيِّضَ لَهُ - عَارِضٌ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَلَمْ يَفْجَأْ كِسْرَى إِلَّا بِرَجُلٍ يَمْشِي وَفِي يَدِهِ عَصًا فَقَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ كِسْرَى: نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا، فَوَلَّى الرَّجُلُ فَلَمَّا ذَهَبَ أَرْسَلَ كِسْرَى إِلَى حُجَّابِهِ فَقَالَ: مَنْ أَذِنَ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَيَّ؟ فَقَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ، فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، قَالَ: فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَتَهَدَّدَهُمْ (?) ثُمَّ تَرَكَهُمْ.

قَالَ: فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ الْحَوْلِ أَتَى ذَلِكَ الرَّجُلُ وَمَعَهُ الْعَصَا، قَالَ: يَا كِسْرَى هَلْ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ أَكْسِرَ هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا تَكْسِرْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ دَعَا حُجَّابَهُ قَالَ لَهُمْ كَالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُسْتَقْبَلُ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ يَا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر

العصا فقال لا تكسرها لَا تَكْسِرْهَا فَكَسَرَهَا (?) ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بعده، فوالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (?) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يمزق مُلْكُهُ " وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَبَتَ مُلْكُهُ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ تَأْتِي الشَّامَ وَالْعِرَاقَ لِلتِّجَارَةِ فَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ شَكَوْا خَوْفَهُمْ مِنْ مَلِكَيِ الْعِرَاقِ والشَّام إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ " قَالَ فَبَادَ مُلْكُ الْأَكَاسِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَزَالَ مُلْكُ قَيْصَرَ عَنِ الشَّامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهُمْ مُلْكٌ فِي الْجُمْلَةِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ حِينَ عَظَّمُوا كِتَابَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (?) .

قُلْتُ: وَفِي هَذَا بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِأَنَّ مُلْكَ الرُّومِ لَا يَعُودُ أَبَدًا إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.

وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي قَيْصَرَ لِمَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ الْجَزِيرَةِ مِنَ الرُّومِ، وَكِسْرَى لِمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ، وَالنَّجَاشِيَّ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، وَالْمُقَوْقِسَ لِمَنْ مَلَكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَفِرْعَوْنَ لِمَنْ مَلَكَ مِصْرَ كَافِرًا، وَبَطْلَيْمُوسَ لِمَنْ مَلَكَ الْهِنْدَ وَلَهُمْ أَعْلَامُ أَجْنَاسٍ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ والله أعلم.

وروى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015