فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَبَعَثَ إِلَى الْأُسْقُفِّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ - وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ وَعَنْ قَوْلِهِ - فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ الْأُسْقُفُّ: هُوَ وَاللَّهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى وَعِيسَى الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ.
قَالَ قَيْصَرُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ الْأُسْقُفُّ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مُصَدِّقُهُ وَمُتَّبِعُهُ، فَقَالَ قَيْصَرُ: أَعْرِفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ إِنْ فَعَلْتُ ذَهَبَ مُلْكِي وَقَتَلَنِي الرُّومُ.
وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هِرَقْلُ الْخُرُوجَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ أَمْرِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ الرُّومَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ أُمُورًا فَانْظُرُوا فِيمَا أَرَدْتُ بِهَا؟ قَالُوا مَا هِيَ؟ قَالَ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ نَجِدُهُ نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي وُصِفَ لَنَا فَهَلُمَّ فَلْنَتَّبِعْهُ فَتَسْلَمَ لَنَا دُنْيَانَا وَآخِرَتُنَا فَقَالُوا: نَحْنُ نَكُونُ تَحْتَ أَيْدِي الْعَرَبِ وَنَحْنُ أَعْظَمُ النَّاسِ مُلْكًا، وأكثره رجالاً.
وأقصاه بَلَدًا؟ ! قَالَ فَهَلُمَّ أُعْطِيهِ الْجِزْيَةَ كُلَّ سَنَةٍ أكسر شوكته وأستريح من خربه بِمَا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ.
قَالُوا: نَحْنُ نُعْطِي الْعَرَبَ الذل والصغار يخرج يأخذونه منا ونحن أكثر الناس عدداً، وأعظمه ملكاً، وأمنعه بَلَدًا، لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا، قَالَ فَهَلُمَّ فَلْأُصَالِحْهُ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهُ أَرْضَ سُورِيَةَ وَيَدَعَنِي وَأَرْضَ الشَّامِ، قَالَ وَكَانَتْ أَرْضُ سُورِيَةَ، فِلَسْطِينَ وَالْأُرْدُنَّ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَمَا دُونَ الدَّرْبِ [مِنْ أَرْضِ] (?) سُورِيَةَ، وَمَا كَانَ وَرَاءَ الدَّرْبِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ الشَّامُ، فَقَالُوا نَحْنُ نُعْطِيهِ أَرْضَ سُورِيَةَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا سُرَّةُ (?) الشَّامِ لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا، فَلَمَّا أَبَوْا عَلَيْهِ، قال: أما والله لترون (?) أَنَّكُمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ إِذَا امْتَنَعْتُمْ مِنْهُ فِي مَدِينَتِكُمْ.
قَالَ ثمَّ جَلَسَ عَلَى بَغْلٍ لَهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ ثمَّ قَالَ: السَّلام عَلَيْكِ يَا أَرْضَ سُورِيَةَ تَسْلِيمَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ رَكَضَ حَتَّى دخل قسطنطينية.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِرْسَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ أَخَا بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى
الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ الغسَّاني صَاحِبِ دِمَشْقَ (?) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَتَبَ مَعَهُ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِهِ، وَأَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَبْقَى لَكَ مُلْكُكَ.
فَقَدِمَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَمَنْ يَنْتَزِعُ مُلْكِي؟ إِنِّي سَأَسِيرُ إليه.