مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، قَالَ وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وهرقل أسقف عَلَى نَصَارَى الشَّامِ، يُحَدِّثُ: أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ؟ قَالَ ابْنُ النَّاطُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فمن يختتن من هذه الأمم؟ قالوا ليس يختتن إلا اليهود ولا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ فَلْيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أَتَى هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غسان فخبرهم عَنْ خَبَرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ، هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قد ظهر.
ثم كتب إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَّةَ - وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ - وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ بحمص حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ.
ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ؟ فتتابعوا لِهَذَا النَّبِيِّ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمْرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ.
وَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ.
فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهري.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي صَحِيحِهِ بِأَلْفَاظٍ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا.
وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُطَوَّلًا فِي أَوَّلِ شَرْحِنَا لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَذَكَرْنَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالنُّكَتِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: عَنْ [أَبِي] (?) الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يُعْلَمُ مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ الْعَرَبِ الَّذِي بِالشَّامِ في ملكه، يأمره أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنَ الْعَرَبِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي كَنِيسَةِ إِيلِيَاءَ الَّتِي فِي جَوْفِهَا، فَقَالَ هِرَقْلُ: أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ لِتُخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الَّذِي بِمَكَّةَ مَا أَمْرُهُ؟ قَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، قَالَ: فأخبروني من أعلمكم بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ رَحِمًا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّهِ وَقَدْ قَاتَلَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ ذَلِكَ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهُ ثُمَّ أَجْلَسَ أَبَا سُفْيَانَ فَاسْتَخْبَرَهُ، قَالَ أَخْبِرْنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقَالَ هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، فَقَالَ هِرَقْلُ: إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ فيكم؟ قال هو والله من