فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ أَخْرَجَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وهكذا كانت تقول إِذَا تَعَصَّبَ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي * وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ أَنْ لَا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ * أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ (?) وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَجُلًا أتاه وهو يُقَاتِلُ بِهِ فَقَالَ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ تُقَاتِلْ فِي الْكَيُّولِ؟ قَالَ لَا.
فَأَعْطَاهُ سَيْفًا فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي * أَنْ لَا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ وَهَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ خَالِدٍ أَوْ غَيْرِهِ يَرْفَعُهُ الْكَيُّولُ يَعْنِي مُؤَخَّرَ الصُّفُوفِ سَمِعْتُهُ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ أَسْمَعْ هذا الخرف إلا في هذا الحديث.
قال ابن هشام: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَكَانَ في المشركين رجلا لَا يَدَعُ جَرِيحًا إِلَّا ذَفَفَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْتَقَيَا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتَّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ.
ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السَّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عتبة، ثم عدل السيف عنها فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
بِذَلِكَ (?) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ أَبُو دُجَانَةَ: رَأَيْتُ إنساناً يحمس الناس حمساً شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ، فَلَّمَا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلْوَلَ، فَاذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَهُ طَلَبَهُ مِنْهُ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْهُ الزُّبَيْرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَوَجَدَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّالِثَةَ فَطَلَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَأَعْطَى السَّيْفَ حَقَّهُ قَالَ: فَزَعَمُوا أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ فيمن خرج من المسلمين فما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاورت فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَقُولُ: اسْتَوْسِقُوا كَمَا اسْتَوْسَقَتْ جَزَرُ الْغَنَمِ.
قَالَ وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَظِرُهُ وَعَلَيْهِ لَأْمَتُهُ فَمَضَيْتُ حَتَّى كُنْتُ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قُمْتُ أَقْدُرُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ بِبَصَرِي فَإِذَا الْكَافِرُ أَفْضَلُهُمَا عُدَّةً وَهَيْئَةً.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى الْتَقَيَا فَضَرَبَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَبَلَغَتْ وَرِكَهُ وَتَفَرَّقَ فوقتين (فِرْقَتَيْنِ) ثُمَّ كَشَفَ الْمُسْلِمُ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَرَى يَا كَعْبُ؟ أَنَا أَبُو دُجَانَةَ (?) .