كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ عَلَى يَدَيِ الْأَوْسِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ إِنَّ الْخَزْرَجَ قَتَلُوا أَبَا رَافِعِ بْنَ أَبِي الْحَقِيقَ بَعْدَ
وَقْعَةِ أُحُدٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ شِعْرَ حَسَّانَ بن ثابت: لله در عصابةٍ لاقيتهم * يا بن الْحَقِيقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفف (?) مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لِكُلِّ أَمْرٍ مُجْحِفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ " فَوَثْبَ عِنْدَ ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَوْسِيُّ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ - رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ - فَقَتَلَهُ، وَكَانَ أَخُوهُ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَسَنَّ مِنْهُ وَلَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عدوَّ اللَّهِ أَقَتَلْتَهُ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ.
قَالَ مُحَيِّصَةُ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، قَالَ فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ لأول إسلام حويصة وقال والله لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَتَقْتُلُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِكَ لَضَرَبْتُهَا.
قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا لَعَجَبٌ، فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنِ ابْنَةِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهَا.
وَقَالَ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ: يَلُومُ ابْنُ أُمٍّ لَوْ أمرتُ بِقَتْلِهِ * لَطَبَّقْتُ ذِفْرَاهُ بأبيض قارب (?) حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أخلصُ صَقْلُهُ * مَتَى مَا أُصَوِّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَمَا سَرَّنِي أَنِّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا * وَأَنَّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ وَحَكَى ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بعد مقتل بني قريظة فإن الْمَقْتُولَ كَانَ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا فَلَمَّا قَتَلَهُ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ لَهُ أَخُوهُ حُوَيِّصَةُ مَا قَالَ فَرَدَّ عَلَيْهِ مُحَيِّصَةُ بما نقدم فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ يَوْمَئِذٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ قَبْلَهُ خَبَرَ بَنِي النَّضِيرِ قُبَلَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَالصَّوَابُ إِيرَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لَيَالِيَ حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ
كَانَتْ إِذْ ذَاكَ حَلَالًا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: خَبَرُ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ