(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) [الأنفال: 44] .

فَعِنْدَمَا تَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ قَلَّلَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا فِي أَعْيُنِ الْآخَرِينَ لِيَجْتَرِئَ هَؤُلَاءِ عَلَى

هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَلَيْسَ هَذَا معارض لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ) فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْفِرْقَةَ الْكَافِرَةَ تَرَى الْفِرْقَةَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْكَافِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَذَلِكَ عِنْدَ التحام الحرب والمسابقة (?) أَوْقَعَ اللَّهُ الْوَهَنَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَاسْتَدْرَجَهُمْ أَوَّلًا بِأَنْ أَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ فَجَعَلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْكَافِرِينَ عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُمْ حَتَّى وَهَنُوا وَضَعُفُوا وَغُلِبُوا.

وَلِهَذَا قَالَ: (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) .

قَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عبيد (?) وعبد الله [قال] : لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ فَقَالَ أَرَاهُمْ مِائَةً.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ فَقَالُوا: احْزُرْ لَنَا الْقَوْمَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ (?) رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ.

قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْبَلَايَا (?) تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحَ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بعد ذلك فروا رأيكم [يا معشر قريش] (?) ؟ فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

أَنْتَ عليَّ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي فعليَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ.

فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ (?) - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - فَإِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ (7) أَمْرَ النَّاسِ غيره، ثم قام عتبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015