وهذا إذا استحال خلا، وأكثر ذلك أن يحول عن النبيذ، ولا يصير إلى الخلّ. وإن سلم، وأعوذ بالله، وجاد وصفا، لم نجد بدّا من شربه، ولم تطب أنفسنا بتركه. فإن قعدت في البيت أشرب منه، لم يمكن إلا بترك سلاف «1» الفارسيّ المعسّل، والدجاج المسمّن، وجداء كسكر «2» ، وفاكهة الجبل، والنقل الهشّ، والريحان الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادته، وعند من لا يبالي على أيّ قطريه «3» سقط، مع فوت الحديث المؤنس، السماع الحسن.
وعلى أني إن جلست في البيت أشربه، لم يكن لي بدء من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من دريهم لحم، ومن طسوج «4» نقل، وقيراط ريحان، ومن أبراز للقدر، ومن حطب للوقود. وهذا كلّه غرم، وهو بعد هذا سؤم، وحرفة، وخروج من العادة الحسنة، فإن كان ذلك النديم غير موافق، فأهل الحبس أحسن حالا مني. وإن كان وأعوذ بالله موافقا، فقد فتح الله على مالي بابا من التلف، لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال من هو فوقي. وإذا علم الصديق أن عندي زائرا ونبيذا، دق الباب، دقّ المدل. فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء.
وإن بدا لي في استحسان حديث الناس، كما يستحسنه مني من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني من المصلحين، وصرت من إخوان الشياطين. فإذا صرت كذلك، فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكسب منّي. وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم له، فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ. أعوذ بالله من الخذلان بعد