وكان يقول: أشتهي اللحم الذي قد تهرّأ، وأشتهي أيضا الذي فيه بعض الصلابة. وقلت له مرة: ما أشبهك بالذي قال: أشتهي لحم دجاجتين. قال: وما تصنع بذلك القائل؟ هوذا أنا أشتهي لحم دجاجتين: واحدة خلاسيّة مسمّنة، وأخرى خوامزكة «1» رخصة.
وقلت له مرة: قد رضيت بأن يقال: عبد الله بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الإسم. قلت: وكيف؟ قال: لا يقال فلان بخيل، إلا وهو ذو مال، فسلم إليّ المال، وادعني بأيّ اسم شئت. قلت: ولا يقال أيضا فلان سخيّ، إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الإسم الحمد والمال، واسم البخل يجمع المال والذم. فقد اخترت أخسّهما وأوضعهما. قال:
وبينهما فرق. قلت: فهاته. قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه، وفي قولهم: «سخيّ» إخبار عن خروج المال من ملكه. واسم البخيل اسم فيه حفظ وذم، واسم السخيّ إسم فيه تضييع وحمد. والمال زاهر، نافع، مكرم لأهله، معزّ، والحمد ريح وسخرية، واستماعك له ضعف وفسولة «2» . وما أقل غناء الحمد، والله، عنه، إذا جاع بطنه، وعري جلده، وضاع عياله، وشمت «3» به من كان يحسده.
وكنا عند داود بن أبي داود بواسط، أيام ولايته كسكر. فأتته من البصرة هدايا فيها زقاق دبس، فقسمها بيننا، فكلنا أخذ ما أعطي غيره.
فأنكرت ذلك من مذهبه، ولم أعرف جهة تدبيره. فقلت للمكيّ: قد علمت أن الحزامي إنما يجزع من الإعطاء وهو عدوّه، فأمّا الأخذ فهو ضالّته وأمنيته. وإنه لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وحيّات الأهواز، لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعا عليها، فعساه أراد التفضيل