في البدو، وأسقط الدفّ المربّع من بين الدفاف، وما كان النقاب إلا هدّاما، حتى نشأت، وما كان الاستقفاء إلا استلابا «1» حتى بلغت.

وأنت غلام، لسانك فوق عقلك، وذكاؤك فوق حزمك، لم تعجمك الضرّاء، ولم تزل في السرّاء والمال واسع، وذرعك ضيّق. وليس شيء أخوف عليك عندي من حسن الظن بالناس، فأتهم شمالك على يمينك، وسمعك على بصرك، وخف عباد الله على حسب ما ترجو الله.

فأول ما أوقع في روعي أن مالي محفوظ عليّ، وأن النماء لازم لي، وأن الله سيحفظ عقبي من بعدي، أني لما غلبتني يوما شهوتي، وأخرجت يوما درهما لقضاء وطري «2» ، ووقعت عيني على سكّته، وعلى اسم الله المكتوب عليه، قلت في نفسي: إني إذا لمن الخاسرين الضالّين، لئن أنا خرجت من يدي، ومن بيتي شيئا عليه: «لا إله إلا الله» وأخذت بدله شيئا ليس عليه شيء. والله إن المؤمن لينزع خاتمه للأمر يريده، وعليه، «حسبي الله» أو: «توكلت على الله» فيظن أنه قد خرج من كنف الله، جلّ ذكره، حتى يردّ الخاتم في موضعه. وإنما هو خاتم واحد، وأنا أريد أن أخرج في كل يوم درهما عليه الإسلام كما هو؟ إن هذا لعظيم» .

ومات من ساعته، وكفّنه إبنه ببعض خلقانه، وغسله بماء البئر.

ودفنه من غير أن يضرح له، أو يلحد له «3» ، ورجع.

فلما صار في المنزل نظر الى جرّة خضراء معلقة. قال: أيّ شيء في هذه الجرّة؟ قالوا: ليس اليوم فيها شيء. قال: فأيّ شيء كان فيها قبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015