والمساكين، وخدمت الخلفاء والمكدّين، وخالطت النسّاك والفتّاك «1» وعمرت السجون كما عمرت مجالس الذكر، وحلبت الدهر أشطره «2» وصادفت دهرا كثير الأعاجيب، فلولا أني دخلت من كل باب، وجريت مع كل ريح، وعرفت السراء والضرّاء «3» ، حتّى مثّلث لي التجارب عواقب الأمور، وقرّبتني من غوامض التدبير، لما أمكنني جمع ما أخلّفه لك، ولا حفظ ما حبسته عليك، ولم أحمد نفسي على جمعه، كما حمدتها على حفظه، لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس «4» ، قد حفظته عليك من فتنة البناء، ومن فتنة النساء، ومن فتنة الثناء، ومن فتنة الرياء «5» ، ومن أيدي الوكلاء، فإنهم الداء العياء «6» .
ولست أوصيك بحفظه لفضل حبي لك، ولكن بفضل بغضي للقاضي. إن الله، عزّ وجلّ، لم يسلّط القضاة على أموال الأولاد إلا عقوبة للأولاد، لأن أباه، إن كان غنيا قادرا، أحبّ أن يريه غناه وقدرته، وإن كان فقيرا عاجزا، أحبّ أن يستريح من شينه ومن حمل مؤونته، وإن كان خارجا من الحالين، أحبّ أن يستريح من مداراته، فلا هم شكروا من جمع لهم، وكفاهم، ووقاهم، وغرسهم، ولا هم صبروا على من أوجب الله حقّه عليهم. والحقّ لا يوصف عاجله بالحلاوة، كما لا يوصف عاجل الباطل بالمرارة. فإن كنت منهم، فالقاضي لك، وإن لم تكن منهم فالله لك. فإن سلكت سبيلي صار مال غيرك وديعة عندك، وصرت الحافظ على غيرك. وإن خالفت سبيلي صار