عنده في أدنى بيت أو في دهليزه، ولم ألزمه من مؤنتي «1» شيئا، حتى إذا انصدع عمود الصبح «2» خرجت في أوائل المدلجين «3» » .
فدقّ عليه الباب دقّ واثق، ودقّ مدلّ، ودقّ من يخاف أن يدركه العسس أو أحد يتبعه، وفي قلبه من الخوف ما يزيد عن الكفاية. فلم يشك أبو مازن أنه دق صاحب هديّة، فنزل سريعا.
فلما فتح الباب، ونظر لجبل، أبصر الموت. فلما رآه جبل واجما «4» لا يحير كلمة، قال له: «إني خفت معرّة العسس وخوف أحد يضرني أو يتبعني، فملت إليك لأبيت عندك. فتساكر أبو مازن، وأراه أن وجومه إنما كان بسبب السكر. ففتح فاه، وحرّك لسانه، وقال: «سكران والله، أنا والله سكران» . قال له جبل: «كن كيف شئت. نحن في أيام الربيع، لا شتاء ولا صيف، ولست أحتاج إلى سطح فأغمّ عيالك بالحر، ولست أحتاج إلى لحاف فأكلفك أن تؤثرني بالدثار «5» . وأنا كما ترى ثمل «6» من الشراب، شبعان من الطعام، ومن منزل فلان خرجت، وهو أخصب الناس رحلا. وإنما أريد أن تدعني أغفي في دهليزك إغفاءة واحدة، ثم أقوم في أوائل المبكرين» . قال أبو مازن (وأرخى عينيه وفكيه ولسانه) ثم قال: «سكران، والله، أنا سكران، لا والله ما أعقل أين أنا، والله ما أفهم ما تقول» .
ثم أغلق الباب في وجهه، ودخل، لا يشكّ أن عذره قد وضح، وأنه قد ألطف النظر حتى وقع على هذه الحيلة.