مسألة، فأجبتنا عن مسألتين.
ومن أعاجيب أهل مرو ما سمعناه من مشيختنا على وجه الدهر، وذلك: إن رجلا من أهل مرو كان ولا يزال يحجّ ويتّجر، وينزل على رجل من أهل العراق، فيكرمه ويكفيه مؤونته. ثم كان كثيرا ما يقول لذلك العراقي: «ليت إني قد رأيتك بمرو، حتى أكافئك، لقديم إحسانك، وما تجدّد لي من البرّ في كل مرّة. فأما ههنا فقد أغناك الله عني» .
قال: فعرضت لذلك العراقي، بعد دهر طويل، حاجة في تلك الناحية؛ فكان مما هوّن عليه مكابدة السفر، ووحشة الاغتراب، مكان المروزيّ هناك. فلما قدم مضى نحوه في ثياب سفره، وفي عمامته وقلنسوته «1» وكسائه، ليحطّ رحله عنده، كما يصنع الرجل بثقته، وموضع أنسه. فلما وجده قاعدا في أصحابه، أكبّ عليه وعانقه، فلم يره أثبته، ولا سأل عنه سؤال من رآه قط. قال العراقي في نفسه: «لعل إنكاره إيّاي لمكان القناع» ؛ فرمى بقناعه، وابتدأ مساءلته، فكان له أنكر.
فقال: «لعله أن يكون إنما أتي من قبل العمامة» ؛ فنزعها ثم إنتسب، وجدد مساءلته، فوجده أشدّ ما كان له إنكارا. قال «فلعله إنما أتي من قبل القلنسوة» ؛ وعلم المروزي أنه لم يبق شيء يتعلق به المتغافل والمتجاهل، فقال: «لو خرجت من جلدك لم أعرفك» : ترجمة هذا الكلام بالفارسية: «اكرازبوست بارون بيائي نشناستم» «2» .