قالوا: «خير مالك ما نفعك» ، ولذلك قالوا: «لم يذهب من مالك ما وعظك» .
إن المال محروص عليه، ومطلوب في قعر البحار وفي رؤوس الجبال وفي دغل الغياض «1» ، ومطلوب في الوعورة كما يطلب في السهولة، وسواء فيها بطون الأودية وظهور الطرق ومشارق الأرض ومغاربها. فطلبت بالعز وطلبت بالذل، وطلبت بالوفاء وطلبت بالغدر، وطلبت بالنسك كما طلبت بالفتك «2» ، وطلبت بالصدق وطلبت بالكذب، وطلبت بالبذاء وطلبت بالملق. فلم تترك فيها حيلة ولا رقية، حتى طلبت بالكفر بالله كما طلبت بالإيمان، وطلبت بالسخف كما طلبت بالنّبل. فقد نصبوا الفخاخ بكل موضع، ونصبوا الشرك بكل ريع «3» . وقد طلبك من لا يقصّر دون الظفر، وحسدك من لا ينام دون الشفاء. وقد يهدأ الطالب الطوائل «4» ، والمطلوب بذات نفسه، ولا يهدأ الحريص.
يقال إنه ليس في الأرض بلدة واسطة، ولا نائية شاسعة، ولا طرف من الأطراف، إلا وأنت واجد بها المديني والبصري والحيري «5» ، وقد ترى شنف «6» الفقراء للأغنياء، وتسرّع الرغبة الى الملوك، وبغض الماشي للراكب، وعموم الجسد في المتفاوتين. فإن لم تستعمل الحذر، وتأخذ بنصيبك من المداراة، وتتعلم الحزم وتجالس أصحاب الإقتصاد، وتعرّف الدهور ودهرك خاصة، وتمثل لنفسك الغير حتى تتوهّم نفسك فقيرا ضائعا، وحتى تتهم شمالك على يمينك، وسمعك على بصرك، ولا يكون أحد اتهم عند