البخلاء للجاحظ (صفحة 203)

ويبغضون، بفضل بغضه «1» ، ولده، ويحتقرون، بفضل احتقارهم له، رهطه، ويضيفون اليه من نوادر اللؤم ما لم يبلغه، ومن غرائب البخل ما لم يفعله، وحتى ضاعفوا عليه من سوء الثناء، بقدر ما ضاعفوا للجواد من حسن الثناء.

وعلى أنا لا نجد الجوائح «2» الى أموال الأسخياء أسرح منها إلى أموال البخلاء، ولا رأينا عدد من افتقر من البخلاء أقلّ.

والبخيل عن الناس ليس هو الذي يبخل على نفسه فقط، فقد يستحق عندهم اسم البخل، ويستوجب الذمّ، من لا يدع لنفسه هوى إلا ركبه، ولا حاجة إلا قضاها، ولا شهوة إلا ركبها وبلغ فيها غايتها. وإنما يقع عليه اسم البخيل إذا كان زاهدا في كلّ ما أوجب الشكر، ونوّه بالذكر، وأذخر الأجر.

وقد يعلّق «3» البخيل على نفسه من المؤن، ويلزمها من الكلف، ويتّخذ من الجواري والخدم، ومن الدّواب والحشم، ومن الآنية العجيبة، ومن البزّة الفاخرة والشارة الحسنة، ما يربي «4» على نفقة السخيّ المثري، ويضعف على جود الجواد الكريم. فيذهب ماله وهو مذموم، ويتغير حاله وهو ملوم. وربما غلب عليه حبّ القيان «5» ، واستهتر بالخصيان «6» ، وربما أفرط في حبّ الصيد، واستولى عليه حبّ المراكب. وربما كان اتلافه في العرس والخرس «7»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015