وأنا أخاف أن تكون عينك مالحة. وعين مثلك سريعة، فاصرف عني وجهك» قال: فوثبت عليه، فقبضت على لحيته اليسرى، ثوم تناولت الدجاجة بيدي اليمنى، فما زلت أضرب بها رأسه حتى تقطعت في يدي.
ثم تحوّل إلى مكاني، فمسح وجهه ولحيته، ثم أقبل عليّ فقال: «قد أخبرتك أن عينك مالحة «1» ، وأنك ستصيبني بعين» . قلت: «وما شبه هذا من العين» ؟ قال: «إنما العين مكروه يحدث. فقد أنزلت بنا عينك أعظم المكروه» . فضحكت ضحكا ما ضحكت مثله، وتكالمنا حتى كأنه لم يقل قبيحا، وحتى كأني لم أفرط عليه «2» .
هذه ملتقطات أحاديث أصحابنا وأحاديثنا وما رأينا بعيوننا.
فأما أحاديث الأصمعي، وأبي عبيدة وأبي الحسن فإني لم أجد فيها ما يصلح لهذا الموضع إلا ما قد كتبته في هذا الكتاب، وهي بضعة عشر حديثا:
قالوا: كان للمغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي «3» ، وهو على الكوفة، جدي يوضع على مائدته بعد الطعام. ولم يكن أحد يمسّه، إذ كان هو لا يمسّه. فأقدم عليه إعرابي يوما، ولم يعرف سيرة أصحابنا فيه، فلم يرض بأكل لحمه، حتّى تعرّق عظمه. فقال له المغيرة: «يا هذا، تطالب عظام هذا الجدي بذحل «4» ؟ هل نطحتك أمّة» ؟ وكان الأصمعي يقول: إنما قال: «يا هذا تطالب عظام هذا البائس بذحل؟ هل نطحتك أمه» ؟