وكانت له حلقة يقعد فيها أصحاب العينة والبخلاء الذين يتذاكرون الإصلاح. فبلغهم أن أبا سعيد يأتي الخريبة في كل يوم ليقتضي رجلا هناك دراهم فضلت عليه، وقالوا: «هذا خطأ عظيم وتضييع كثير. وإنما الحزم أن يتشدد في غير تضييع. وصاحبنا هذا قد رجع على نفسه بضروب من البلاء» .
فاجتمعوا عليه على طريق التفرغ والإستفادة منه؛ قالوا: نراك تصنع شيئا لا نعرفه، والخطأ منك أعظم منه من غيرك. قد أشكل علينا هذا الأمر، فأخبرنا عنه، فقد ضاقت صدورنا به. خبرنا عن مضيّك الى الخريبة «1» لتقتضي خمسة دراهم. فواحدة أنا لا نأمن عليك إنتقاض بدنك «2» ، وقد خلا من سنّك، وان تعتل فتدع القاضي للكثير بسبب القليل. وثانية أنك تنصب هذا النصب «3» ، فلا بد لك من أن تزداد في العشاء إن كنت ممن يتعشى، أو تتعشى إن كنت ممن لا يتعشى. وهذا إذا اجتمع كان أكثر من خمسة دراهم. وبعد، فإنك تحتاج أن تشق وسط السوق، وعليك ثيابك والحمولة تستقبلك، فمن ههنا نترة «4» ، ومن ههنا جذبة، فإذا الثوب قد أودى. ومن ذلك أن نعلك تنقب وترّق وساق سراويلك تتسخ وتبلى. ولعلك أن تعثر في نعلك. فتقدّها قدّا، ولعلك تهرتها هرتا «5» . وبعد، فاقتضاء القليل أدّى بك إلى هذا وما بلغت منه شيئا. وأنك أفضل. إلا أنّا نحبّ أنك تجلّي عن الأمر بشيء، فليس كلنا يثق لك بالصواب في كل شيء» .
قال أبو سعيد: «أما ما ذكرتم من انتقاض البدن، فإن الذي أخاف على بدني من الدعة، ومن قلة الحركة أكثر. وما رأيت أصح أبدانا من الحمّالين