البخلاء للجاحظ (صفحة 112)

لا يعرف، فقد وضعها في مواضع الغرر «1» وعلى أعظم الخطر. وقد صار في معنى المودع، وصار المكتري في موضع المودع. ثم ليست الخيانة وسوء الولاية الى شيء من الودائع أسرع منها الدور. وأيضا أن أصلح السكان حالا من إذا وجد في الدار مرمّة ففوّضوا إليه النفقة وأن يكون ذلك محسوبا عند الأهلّة، الذي يشفّف في البناء «2» ويزيد في الحساب. فما ظنك بقوم هؤلاء أصلحهم وهم خيارهم. وأنتم أيضا ربما أكريتم «3» مستغلات غيركم، بأكثر مما أكتريتموها منه. فسيروا فينا كسيرتكم فيهم، وأعطونا من أنفسكم مثل ما تريدونه منهم. وربما بنيتم في الأرض، فإذا صار البناء بنيانكم (وإن كانت الأرض لغيركم) ادّعيتم الشركة، وجعلتموه كالإجارة، وحتى تصيّروه كتلاد مال أو مورّث سلف.

وجرم آخر، هو أنكم أهلكتم أصول أموالنا، وأخربتم غلاتنا، وحططتم بسوء معاملتكم أثمان دورنا ومستغلاتنا، حتى غلات الدور من أعين المياسير «4» وأهل الثروة، ومن أعين العوّام والحشوة، وحتى تدافعوكم بكل حيلة، وصرّفوا أموالهم في كل وجه، وحتى قال عبيد الله بن الحسن «5» قولا أرسله مثلا، وعاد علينا حجة وضررا. وذلك أنه قال: «غلة الدار مسكة وغلة النخل كفاف «6» ، وإنما الغلة غلة الزرع والنّسولتين «7» » . وإنما جرّ ذلك علينا حسن اقتضائنا، وصبرنا على سوء قضائكم. وأنتم تقطعونها علينا وهي عليكم مجملة، وتلووننا بها وهي عليكم حالّة. فصارت كذلك غلّات الدور (وإن كانت أكثر ثمنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015