حدثني عمرو بن نهيوي، قال:
كان الكندي لا يزال يقول للساكن، وربما قال للجار: إن في الدار إمرأة بها حمل، والوحمى «1» ربما أسقطت من ريح الطيّبة. فإذا طبختم، فردّوا شهوتها، ولو بغرفة أو لعقة، فان النفس يردّها اليسير. فإن لم تفعل ذلك، بعد إعلامي إياك، فكفارتك «2» أن أسقطت غرّة: عبد أو أمة «3» ، ألزمت ذلك نفسك أم أبيت» . قال: فكان ربما يوافي الى منزله من قصاع السكان «4» والجيران ما يكفيه الأيام، وكان أكثرهم يفطن ويتغافل.
وكان الكندي يقول لعياله: أنتم أحسن حالا من أرباب هذه الضياع.
إنما لكل بيت منهم لون واحد، وعندكم ألوان.
قال: وكنت أتغدى عنده يوما، إذ دخل عليه جار له. وكان الجار لي صديقا. فلم يعرض عليه الغداء. فاستحييت أنا منه فقلت: لو أصبت معنا مما نأكل. قال: قد، والله، فعلت. قال الكندي: ما بعد الله شيء. قال: فكتفه والله، يا أبا عثمان، كتفا لا يستطيع معه قبضا ولا بسطا، وتركه ولو أكل لشهد عليه بالكفر، ولكان عنده قد جعل مع الله شيئا.
قال عمرو: بينا أنا، ذات يوم، عنده إذ سمع صوت انقلاب جرّة من الدار الأخرى، فصاح: أي قصاف! فقال، مجيبة له: بئر وحياتك! فكانت الجارية في الذكاء، أكثر منه في الإستقصاء.