ثم أباح لهم الغنائم وأخذ الفداء فقال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ من الكفار، ومن جملته: الفدية، فإنها من الغنائم، حَلالًا طَيِّباً أي: أكلا حلالا، وفائدته: إزاحة ما وقع في نفوسهم بسبب تلك المعاتبة، أو حرمتها على المتقدمين. رُوي أنه لما عاتبهم أمسكوا عنها حتى نزلت: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ، ووصفة بالطيب تكسينا لقلوبهم، وزيادة في حليتها. وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم: «أُعطيتُ خمساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أّحّدٌ من الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: أُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وطهُوراً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وخُصصتُ بِجَوَامعِ الكلمِ» «1» . أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: يغفر لكم ما فرط، ويرحمكم بإباحة ما حرم على غيركم توسعةً عليكم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما ينبغي للفقير المتوجه أن يكون له أتباع يتصرف فيهم ويستفيد منهم، عوضاً عن الدنيا، حتى يبالغ في قتل نفسه وتموت، ويأمن عليها الرجوع إلى وطنها من حب الرئاسة والجاة، أو جمع المال، والتمتع بالحظوظ، فإن تعاطي ذلك قبل موت نفسه كان ذلك سبب طرده، وتعجيل العقوبة له، حتى إذا تداركه الله بلطفه، وسبقت له عناية من ربه، فيقال له حينئذٍ: لولا كتاب من الله سبق لمسك فيما أخذت عذاب عظيم.
ثم بشّر الأسارى بخلف ما أخذ منهم من الفداء بأكثر منه، فقال:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
قلت: (أسرى) : جميع أسير، ويجمع على أسارى. وقرىء بهما، و (خيراً مما) : اسم تفضيل، وأصله: أًخْيَر، فاستغنى عنه بخير، وكذلك شر أصله: أشر، قال في الكافية:
وغالباً أغناهم خير وشر ... عن قولهم: أخيرُ منه وأشر.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى الذين أخذتم منهم الفداء:
إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً أي: إيمانا وإخلاصا يكون فى المستقبل، يُؤْتِكُمْ خَيْراً أي: أفضل وأكثر مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء.