يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ أي: أجيبوه فيما دعاكم إليه، وَلِلرَّسُولِ فيما دلكم عليه من الطاعة والإحسان، إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ من العلوم الدينية فإنها حياة القلب، كما أن الجهل موته، أو إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الحياة الأبدية، في النعيم الدائم، من العقائد والأعمال، أو من الجهاد، فإنه سبب بقائكم إذ لو تركتموه لغلبكم العدو وقتلكم، أو الشهادة، لقوله تعالى: أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (?) ، ووحد الضمير في قوله: إِذا دَعاكُمْ باعتبار ما ذكر، أو لأن دعوة الله تُسمع من الرسول.

وفي البخاري: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعا أبيّ بْنَ كَعْبٍ، وهو في الصَّلاة، فلم يجب، فلما فرغ أجاب، فقال له صلى الله عليه وسلّم:

«ما مَنَعَكَ أن تجيبني؟ فقال: كُنْتُ أُصلّي، فقال: ألم تسمع قوله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ.» (?) فاختلف فيه العلماء، فقيل لأن إجابته صلّى الله عليه وسلّم لا تقطع الصلاة، فيُجيب، ويبقى على صلاته، وقيل: إن دعاءه كان لأمر لا يقبل التأخير، وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله، كإنقاذ أعمى وشبهه.

ثم قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فينقله من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن اليقين إلى الشك، ومن الشك إلى اليقين، ومن الصفاء إلى الكدر، ومن الكدر إلى الصفاء. قال البيضاوي: هو تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (?) ، وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب، مما عسى أن يغفل عنها صاحبها، أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها، قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره، أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه، ويغير مقاصده، ويحول بينه وبين الكفر، إن أراد سعادته، وبينه وبين الإيمان، إن قضى شقاوته. هـ. وَاعلموا أيضاً أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيجازيكم بأعمالكم وعقائدكم.

الإشارة: قد جعل الله، من فضله ورحمته، في كل زمان وعصر، دعاة يدعون الناس إلى ما تحيا به قلوبهم، حتى تصلح لدخول حضرة محبوبهم، فهم خلفاء عن الله ورسوله، فمن استجاب لهم وصحبهم حيي قلبه، وتطهر سره ولُبه، ومن تنكب عنهم ماتت روحه في أودية الخواطر والأوهام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015