وتحريض للمؤمنين على التشبه بالملأ الأعلى، ولذلك شرع السجود عند قراءتها. وعن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا قَرَأَ ابنُ آدمَ السجدةَ، فَسَجَدَ، اعتَزَلَ الشيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلهُ أمِرَ هذا بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنّةُ، وأُمِرْتُ بالسُجُودِ فعصَيت فَلِي النارُ» (?) .
الإشارة: اعلم أن الذكر على خمسة أقسام: ذكر اللسان فقط لعوام المسلمين، وذكر اللسان مع القلب لخواص الصالحين وأول المتوجهين، وذكر القلب فقط للأقوياء من السائرين، وذكر الروح لخواص أهل الفناء من المُوحدين، وذكر السر لأهل الشهود والعيان من المتمكنين، وفي قطع هذه المقامات يقع السير للسائرين، فيترقى من مقام، إلى مقام، حتى يبلغ إلى ذكر السر، فيكون ذكر اللسان في حقه غفلة.
وفي هذا المقام قال الواسطي رضى الله عنه: الذاكرون في حال ذكره أشد غفلة من التاركين لذكره لأن ذكره سواه.
وفيه أيضًا قال الغزالي: ذكر اللسان يُوجب كثرة الذنوب. وقال الشاعر:
مَا إِنْ ذَكَرْتُكِ إلاّ همَّ يَلْعَنُني ... سرِّي، وقَلْبِي، وَرُوحِي، عند ذِكْرَاكَ
حَتَّى كَأَنَّ رَقيباً مِنْكَ يَهْتِفُ بِي: ... إِيَّاكَ، وَيْحَك، والتَّذْكَارَ إِيَّاكَ
أَمَا تَرَى الْحقَّ قَدْ لاَحَتْ شَوَاهِدُهُ ... وَوَاصَلَ الْكُلَّ مِنْ مَعْنِاهُ مَعْنَاكَ
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ... الآية، قال القشيري: أثبت لهم عندية الكرامة، وحفظ عليهم أحكام العبودية كي لا ينفك حال جمعهم عن نعت فرقهم، وهذه سُنَّة الله تعالى مع خواصِّ عباده، يلقاهم بخصائص عين الجمع، ويحفظ عليهم حقائق عين الفَرْق، لئلا يُخِلّوا بآداب العبودية في أوان وجود الحقيقة. هـ.